قابلني مصادفة أحد تلاميذي النابهين بعد تخرجه فسألته عن أحواله فحكى لي أنه يعمل مع أبيه في ورشته، كما يعمل سمسارًا للعقارات في بعض أوقاته وأنه تزوج وأنجب منذ أيام مولودته الأولى «دهشة» فابتسمت قائلاً اسم جميل ونادر فأجابني ببلاغة موجزة هي دهشتي في هذا العالم الأغرب من الخيال فقلت له عالم أغرب من الخيال ومع هذا تزوجت وصارت لك ابنه فجاء رده نعم إنه عالم صادم لكن علينا أن نندهش ونقاوم بوعى ولا نستسلم!
تعنى الدهشة في عقول العوام حالة من الذهول أو الصدمة فعندما يقول فلان لعلان أنا مندهش فكأنه يقول أنا مصدوم أو مذهول غير أن الدهشة تختلف عن المفاجأة التي قد تعنى الصدمة أيضاً، لكن الدهشة تستلزم وجود وعى لدى الإنسان، فالإنسان المندهش واع بما يحدث بينما المفاجأة خارج نطاق الوعى أو الفكر.
ومن هنا تكون الدهشة هي الدافع لاتخاذ موقف معين من خلال هذا الشعور المحفر الذي تسببه والدهشة منذ بدايات التفكير الإنساني في القرن السادس قبل الميلاد هي بداية الفكر من خلال طرح السؤال واستخلاص نتائج وإن لم تكن صحيحة.
إنها انتقال من حالة سكون إلى حالة حركة، ومن ثم فإنها التنبه الذهني واليقظة التي تستدعي التأمل والتركيز.
وعندما تطالع كتاباً أو تستمع لحديث فلا يثير اهتمامك ويجعلك تندهش فإنه خاو ولا قيمة له.
وترى الفيلسوفة السويسرية «جين هبرش» في كتابها «الدهشة الفلسفية» إن الدهشة هي المدخل للبحث عن الإجابات التي تحير العقل الإنساني، فبداية الفكر الفلسفي كان الاندهاش أمام ظواهر الكون ومحاولة التفسير لكن هل مازال إنسان القرن الواحد والعشرين قادر على الاندهاش أمام ما يحدث في عالمه؟ فسقراط المندهش الأكبر طرح تصوره عما يدفع الإنسان إلى فعل معين فكانت إجابته هو سعيه إلى بلوغ ما يتصور أنه خير حتى في أسوأ الحالات، فالمجرم مثلاً يسعى لتحقيق ما يتصور إنه خير له.
إذن ما مصدر الشر في العالم؟ يحدث الشر عندما يخطئ الإنسان تقدير الخير فيظنه صحيحاً بينما هو خاطئ.
وهنا يكون الشر مصدره الجهل، إننا لا نمارس الشر إلا جهلا والجهل هنا ليس جهلاً معرفياً أو معلوماتياً بل جهل التبصر والحكم.
والسؤال متى يكون الإنسان مندهشاً بوعيه وأسئلته ليكون الفاعل التاريخي الذي يعطى للعالم شكله من خلال الوعى بالذات، الضمير الأخلاقي، القيم، المسئولية، والحرية، ومعنى الحياة.
ضرورى أن نندهش في عالم بتعبير المبدع «الأبنودي» ساكنين في عالم يعشق الخطر، فيه الطيور تهرب من الشجر، وتهرب النجوم من القمر، وتهرب الوجوه من الصور.