بعد أن تشكلت الحكومة الجديدة، ومنحها البرلمان ثقته، ومضى كلٌ إلى غايته؛ الحكومة لتنفيذ برنامجها، والبرلمان يراقبها، والشعب يتطلع ويري، والله يحكم بيننا جميعًا، من أخلص وأجاد ونجح، ومن خان وراوغ وفشل، هنا أستشعر أننى أريد أن أهمس فى أذن رئيس الحكومة بكلمات قصيرات، تشكل فيما بينها «جملة» وسط فيض من «أشباه الجمل». ولأن الوصول إلى أذن دولته قد يكون غير متاح –الآن– وسط هذا الكم المهول من المسئوليات والتحديات، فقد رأيت أن أهمس بها هنا فى هذه الزاوية، وكلى أمل أن يقرأها الرجل المهذب بقلبه قبل عينيه..
دولة الرئيس:
«الجنرال وقت» يحاصرنا ويضغط علينا جميعًا، وهذا يستوجب من كل أعضاء الحكومة التحرك بأقصى سرعة، وقفزًا إلى الأمام، وليس سيرًا اعتياديًّا، فمشكلاتنا وأزماتنا وتحدياتنا ليست اعتيادية، ولابد أن يستكمل كل وزير خطط من سبقوه، ولا يبدأ من الصفر، فليس لدينا وقت ننفقه فى التجربة والخطأ. دولة الرئيس: الأمل الحائر بين الإفراط والتفريط يحتاج إلى عملية «ضبط زوايا» عاجلة، فالتصريحات الحكومية محسوبة كما الأنفاس شهيقًا وزفيرًا، فالوعود البراقة غير المدروسة ترفع سقف طموحات الناس، وتصنع فجوة ثقة يصعب علاجها، وهنا أتذكر تصريح دولتكم السابق عن تحقيق الاكتفاء الذاتى من المنتجات البترولية فى عام 2023، الذى كان مبنيًّا على أرقام وإحصاءات وتوقعات غير دقيقة من قطاع البترول، حيث تلقفنا هذه التصريحات، وتغنينا بها فى برامجنا ومقالاتنا واثقين بصحتها ودقتها، فخلقت أملا، وصنعت طموحًا تحطم – مع الأسف – على صخرة الواقع الذى أعادنا إلى عصر استيراد الغاز المسال، والمازوت، وباقى المنتجات البترولية، هذا الأمل الكاذب – غير المقصود بالتأكيد – ندفع ثمنه من مصداقيتنا الإعلامية والصحفية.
دولة الرئيس: الإعلام هو حجر الزاوية فى كل المشروعات الوطنية، ليس فى مصر وحدها؛ وإنما فى العالم كله. الإعلام ليس عبئًا على الحكومات والمسئولين، وليس «زائدة دودية» لا يعرف الكثيرون الحكمة من وجودها. الإعلام فرض وليس نافلة – يا سيدى – فى مشروعنا الوطني، فيجب على السادة الوزراء فهم الدور المفصلى للإعلام؛ فالإعلام لا يعنى بيانات، أو مؤتمرات صحفية جوفاء، وليس تسبيحًا بحمد المسئول – أى مسئول – وإنما تواصل حقيقى عبر كل وسائل الاتصال لبناء الثقة، والوقوف فى زوايا الرؤية نفسها.
دولة الرئيس: لا تجامل أحدًا مهما كانت الأسباب، فأصحاب المصالح لن يقفوا معك وأنت تُسأل أمام الرئيس، والشعب، والتاريخ، وقبل ذلك كله أمام الله جل فى علاه، فلا تختر أحدًا لمهمة ما وهناك من هو أفضل منه للقيام بها ، فوالذى نفسى بيده لم أجد أخطر على أمتى من ضياع «هيبة تكافؤ الفرص»، فالمساواة باب من أبواب العدل، والعدل اسم من أسماء الله. عليك أن تُشعر الناس بأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات أمام القانون، ولا يوجد مواطن «بشَرْطة»، أو مواطن «ناقص شَرْطة».
يا سيدى الكريم، إياك والظلم؛ فالظلم ظلمات، والأمم لا تسقط وتنهار إلا بكثرة المظالم، واحذر دعوة المظلوم؛ فليس بينها وبين الله حجاب.
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.