كشف قرار المحكمة الجنائية الدولية، باصدار مذكرتى اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق فى مجلس الحرب يوآف غالانت عن حقيقة المواقف الدولية تجاه حرب الابادة الشاملة التى تشنها اسرائيل ضد أهالى غزة منذ أكثر من عام.. وجاءت ردود الافعال متباينة سواء فى فلسطين أو اسرائيل.. كما اختلفت المواقف بين أمريكا وأوروبا.. ففى أمريكا مثلا اختفت الخلافات الحادة بين الديمقراطيين والجمهوريين.. وفوجئنا بموقف واحد تقريبا للمعسكرين المتصارعين على السلطة فى البيت الابيض.. صحيح انه لم يصدر موقف رسمى للرئيس المنتخب ترامب الا ان السيناتور الجمهورى ليندسى غراهام، الحليف المقرب للرئيس المنتخب قال ان «المحكمة مزحة خطيرة.. بل وتمادى فى موقفه المتطرف لحساب حكومة الاحتلال مهددا المنظمة الدولية المتخصصة قائلا: لقد حان الوقت الآن لمجلس الشيوخ الأمريكى للتحرك ومعاقبة هذه الهيئة غير المسئولة.. وفى أول تعليق رسمى أمريكي، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض إن الولايات المتحدة رفضت قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وأعرب المتحدث عن قلق واشنطن العميق إزاء اندفاع المدعى العام لطلب مذكرات اعتقال، وأخطاء العملية المزعجة التى أدت إلى هذا القرار مضيفاً أن الولايات المتحدة تناقش الخطوات التالية مع شركائها.. وهنا يطرح السؤال نفسه: من هؤلاء الشركاء الذين يقصدهم المتحدث الامريكي؟ قد يتبادر الى الذهن سريعا فى محاولة للاجابة على هذا السؤال «أوروبا».. وبدورى اسال المتحدث الامريكي: وهل أوروبا رفضت قرار الجنائية الدولية مثل بلاده؟ المفاجأة أو الصدمة ان أوروبا اجمعت على قبول القرار وضرورة الامتثال اليه وتنفيذه رغم اعتراض بعض الدول الاوروبية عليه من حيث المبدأ.. لكنهم اجمعوا على ضرورة تنفيذه.. وزير خارجية الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل، قال إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص باعتقال نتنياهو وغالانت ملزم، وأنه ينبغى على الدول والشركاء فى المحكمة «احترام القرار وتنفيذه».. هولندأكدت امتثالها لما تستوجبه مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.. بريطانيا قالت انها تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية،.. أما فرنسا فان ردها سيكون «متماشياً مع قوانين المحكمة الجنائية الدولية» حسب تصريح وزير الخارجية لكنه رفض أن يوضح قرار باريس بشأن اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى البلاد، قائلاً: «إنها نقطة معقدة من الناحية القانونية» بينما كان الموقف الايطالى أكثر وضوحا.. وزير الدفاع الإيطالى غيدو كروسيتو قال إن بلاده ستكون ملزمة باعتقال نتنياهو إذا زار إيطاليا.. وقال رئيس الوزراء الأيرلندى سيمون هاريس أن بلاده تحترم دور المحكمة الجنائية الدولية، داعياً إلى ضرورة مساعدة المحكمة فى أداء عملها «على وجه السرعة».
اذن.. أين شركاء أمريكا الذين تحدث عنهم مسئول الامن القومى بعد اجماع أوروبا على الامتثال للقرار الدولي؟ هل يقصد روسيا والصين وكوريا الشمالية مثلا؟ ام ربما يشير إلى الارجنتين التى خرج رئيسها رافضا قرار اعتقال نتنياهو وجالانت.. مؤكد ان المسئول الامريكى يقصد شركاءهم فى تل ابيب.. بالفعل توالت ردود الافعال الغاضبة فى الكيان المحتل وسيل من الاتهامات المقززة والاوصاف المشينة للمحكمة الجنائية الدولية وقضاتها العظام.. «يوم اسود».. هكذا وصف السفاح الاسرائيلى نتنياهو حكم المحكمة الدولية.. ثم حاول ان يرفع من معنويات شعبه المنهارة قائلا: لن يمنعنا أى قرار شنيع ضد إسرائيل، ولن يمنعني، من الاستمرار فى الدفاع عن بلادنا بكل الطرق».. ووصف الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوغ قرار الجنائية الدولية بأنه «يوم مظلم على العدالة والإنسانية»، متهماً المحكمة بأنها حولت العدالة الدولية إلى «مادة للسخرية الدولية».. ويتمادى هرتسوغ فى غيه المبين وكذبه الفاضح عندما يقول إن القرار يسخر من تضحيات كل أولئك الذين يناضلون من أجل العدالة، منذ انتصار الحلفاء على النازيين حتى اليوم»
واذا كان قرار الجنائية الدولية قد وحد الامريكيين والاسرائيليين ضده.. فقد وحد ايضا مواقف الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة وخارجها..حركة فتح التى يترأسها الرئيس الفلسطينى محمود عباس وصفته بالخطوة الشجاعة، ويُعد انتصاراً للعدالة الدولية ولحقوق الإنسان.. ورغم صدور مذكرة مماثلة بتوقيف احد قادتها العسكريين محمد الضيف.. رحبت حركة حماس بخطوة الجنائية الدولية، داعية دول العالم إلى التعاون مع المحكمة فى جلب من وصفتهما بـ»مجرميْ الحرب.. نتنياهو وغالانت، والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزّل فى قطاع غزة ودعت حماس المحكمة الجنائية الدولية إلى «توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة لـكافة قادة الاحتلال المجرمين، وختاما.. هل ينفذ قرار الجنائية الدولية.. هل نجد نتنياهو وجالانت فى قفص الاتهام الدولى قريبا.. هل أوروبا صادقة حقا فى امتثالها للقرار واستعدادها لاعتقال نتنياهو فور زيارته لأى بقعة فى القارة العجوز؟ وماذ عن ترامب وحكومته القادمة؟ وهل يقدم الرئيس المنتخب على إلحاق الأذى فعلا بقضاة المحكمة الجنائية الدولية.. وبغض النظر عن كل التساؤلات المطروحة دعونا نرحب من جديد بالقرار ونهتف فى صوت واحد.. يحيا العدل.