… وأخرج بيرم التونسى من قلبه وعقله كلمات هزت المشاعر ودغدغت الأحاسيس وظلت علامة على معنى ومفهوم الحج إلى بيت الله الحرام.. ولحن رياض السنباطى الكلمات التى مست أوتار قلوبنا فصرنا نعزف معها لحناً من ألحان الصفاء فى أيام النقاء، وغنتها أم كلثوم بكل جوارحها فظلت معلماً وإيذاناً بأن أيام الحج على الأبواب وأن ملامح البيت المعمور فى مكة التى فيها جبال النور قد أصبحت ماثلة فى الأذهان.
والقلب يعشق كل جميل أغنية غنتها أم كلثوم فى عام 1972 وهى أغنية الوجود كله.. والصوفية فى أروع معانيها.. أغنية من الأغنيات التى لا تموت أبداً والتى نعيد اكتشافها كل عام.. أغنية تحلق بنا فى فضاء السموات العلى وحيث الواحد القهار رب العالمين.
ولأن الأغنية ليست مجرد أغنية.. ولأن الكلمات دروس ومعانى ومواقف، ولأن فى الحياة ما يستحق أن نعيش من أجله.. فإننا نذكر بها ونعيد نشر كلماتها الخالدة.. القلب يعشق كل جميل، وياما شفت جمال ياعيني، واللى صدق فى الحب قليل قليل، وان دام يدوم يوم ولا يومين، واللى هويته اليوم دايم وصاله دوم، لا يعاتب اللى يتوب، ولا فى طبعه اللوم، واحد مفيش غيره ملا الوجود نوره، دعانى لبيته لحد باب بيته وأما تجلى لى بالدمع ناجيته.. كنت ابتعد عنه وكان يناجينى ويقول مصيرك يوم تخضع لى وتجى لي، طاوعنى ياعبدى طاوعنى أنا وحدي، مالك حبيب غيرى قبلى ولا بعدي، أنا اللى أعطيتك من غير ما تتكلم وأنا اللى علمتك من غير ما تتعلم، واللى هديته إليك لو تحسبه بإيديك تشوف جمايلى عليك من كل شيء أعظم سلم لنا، سلم لنا، سلم لنا تسلم، مكة وفيها جبال النور طله على البيت المعمور، دخلنا باب السلام غمر قلوبنا السلام بعفو رب غفور. بعفور رب غفور. فوقنا حمام الحمى عدد نجوم السما، طاير علينا يطوف ألوف تتابع ألوف، طاير يهنى الضيوف بالعفو والمرحمة، واللى نظم سيره واحد مفيش غيره، جينا على روضة هله من الجنة فيها الأحبة تنول.. تنول كل اللى تتمني، فيها طرب وسرور، فيها نور على نور وكاس محبة يدور واللى شرب غنى وملايكة الرحمان كانت لنا أمان، بالصفح والغفران جايه تبشرنا، ياريت حبايبنا ينولو مانولنا يارب، يارب توعدهم يارب.. يارب وإقبلنا.
>>>
ومن روحانيات الأيام المباركة التى نعيشها بالحج إلى البيت الحرام.. ومن روحانيات السمو فوق دنايا الدنيا ومصاعب الأيام إلى حوارات الحياة.. الحياة التى يبدأها الإنسان بكم هائل من الأحلام والأماني.. وبعدها يصبح حلمه الوحيد أن يكون مطمئناً.. مطمئناً لا أكثر.. وفى الاطمئنان كل الراحة.. وفى الاطمئنان كل الأحلام تتحقق، فليس مهماً الثروة.. وليس مهماً الجاه والمكانة.. كل ما تنتهى به رحلة العمر أن يكون هناك اطمئنان.. اطمئنان فى الصحة والستر، واطمئنان فى أننا قد أدينا الرسالة.. واطمئنان فى أننا سوف نلاقى رب كريم بقلوب بيضاء ونفوس صافية.. وبذنب مغفور.. ويارب.. يارب امنحنا شعور الاطمئنان والسكينة.. امنحنا الرضاء عن أنفسنا والتسامح عن أخطاء الآخرين.. امنحنا السعادة التى تنعكس فى أعيننا مصدراً للنور والخير والعطاء.
>>>
وفى حياتنا اليومية قضايا لا تتوقف.. وصراعات مع الذين ضاعت منهم معالم الطريق بعد أن فقدوا الضمير والأخلاق والدين.. وأتحدث فى ذلك عن قضية تحدثنا فيها مرات ومرات عن سائقى سيارات النقل الذين انتهزوا فرصة تقليل الإضاءة فى الشوارع وخاصة على الطرق المحورية الجديدة وانطلقوا يلقون بمخلفات مواد البناء فى عرض الطريق وهو ما يعرض سلامة قائدى السيارات للخطر ويسبب الكثير من الحوادث المرورية القاتلة.
إن الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يمكن التسامح معهم ولا إيجاد أى أعذار لما يقومون به.. ولا عقاب ولا رادع إلا بمصادرة سيارات النقل المخالفة.. صادروها وستجدوا أن هناك التزاماً وخوفاً حقيقياً من العقاب.
>>>
وتزوجت الفتاة.. وجدت الزوج المنشود.. ليس به كما بدا لها من ينقصه.. وكانت ليلة الزفاف حديث المدينة.. رقص وطرب وهدايا ومعازيم من كل مكان فى ليلة من ليالى ألف ليلة وليلة.. وتوجها إلى استكمال الأفراح فى أيام البهجة الأولى للزواج.. وعادا بعد أيام قليلة ولم يكملا رحلة السفر ليذهب كل واحد منهما إلى بيته بعد أن أصرت العروس على الطلاق ولا شيء آخر.. ولا كلام ولا تنازلات ولا مؤامات.. وإيه يا بنتي.. خير.. فيه إيه..! ده بيضربنى «بيمد إيده عليا».. عصبى جداً.. و»نرفوز خالص»..! وبتضربها ليه يا حمش.. أصلها عاوزة تمشى فى الفندق بالمايوه..! يبقى مفيش غير الطلاق.. مين فيهم الغلطان؟!
>>>
وتوفى الأب بعد صراع مع المرض.. وكان أمله أن يتم دفنه فى أحد المقابر القريبة من منزله حتى يتسنى لبناته زيارته فى قبره.. وودع الحياة قبل أن يقوم بشراء المقبرة التى تمناها.. وفى الصباح الباكر.. وقبل نقله من المستشفى إلى المقبرة كانت بناته الثلاث قد توجهن إلى المقابر وقمن بالبحث عن مدفن للشراء ونجحن فى ذلك وتم دفن الأب حيث رغب وحيث تمني!! البنات هن كل الحنية.. وهن مصدر قوة الأب ومخزون الاستمتاع الأبوى بالحياة.