عندما تسقط الدولة فلا تسأل عن سيادة لأنه لا يوجد من يحفظها، ولا عن حدود لأنه لا يوجد من يحميها، الكل سيصبح مباحًا والأرض ستصير ملكًا لمن يمتلك القدرة، الجميع سيتصارعون عليها، الدولة ليست مجرد اسم وقطعة أرض تعيش عليها، بل شعب متماسك صلب منتم لبلده، ومؤسسات قوية، وجيش وطنى وقدرة على فرض الاحترام، وعندما يغيب كل هذا تغيب فكرة الدولة وتسود الفوضي، النماذج كثيرة وخلال العقدين الماضيين شهدنا دولاً تتحول إلى ساحات فوضى لأنها فقدت مؤسساتها وسلمها شعبها لتنظيمات الخراب التي لا تعرف معنى وطن ولا حرمة أرض.
والنموذج الحالي أمامنا هو ما يحدث في سوريا، سادت الفرحة الغاضبين من بشار الأسد ونظامه واقتحموا القصور الرئاسية، واحتفلوا بسقوط النظام واسترداد بلدهم بينما في نفس اللحظة كانت إسرائيل تتحرك لاحتلال مساحات جديدة من أرض سوريا، وتتوسع فيها ساعة بعد أخرى تحت دعوى أمان إسرائيل.
لم يشغل المحتفلين بسقوط بشار أن دولتهم التي يحتفلون باستردادها لم تعد آمنة بل تتقطع ومهددة بالتقسيم، وأراضيبها مهددة بالضياع.
بعيدًا عن وضع بشار وأنه السبب الأول فى وصول الأوضاع إلى هذا الحد وأنه حتى لم يفكر أن يصلح بل واصل الاستعلاء فأضعف دولته، واستحق أن يغادر، لكن الحقيقة المؤكدة أن كل من يحتفلون الآن سيندمون إذا لم ينتبهوا سريعًا لبلدهم، فبعد أن تهدأ الأوضاع وتتضح الصورة وتغيب سكرة الفرحة سيرون الكارثة التي حلت بهم، ما بين تنظيمات مسلحة تتحكم بلا رحمة، وقوى إقليمية ودولية طامعة تحاول أن تقتطع مساحات واسعة لنفسها.
ما حدث في سوريا وظهرت توابعه سريعًا خلال ساعات من هروب بشار يستدعى أن نتوقف أمام عدد من الدروس التي يجب أن نعيها كشعوب في منطقة لم نعد نعرف ماذا ينتظرها.
الأول: إن الجيوش الوطنية هي المنقذ والحامي للدولة.. الميليشيات والتنظيمات لن تحمى الدولة ولن تحافظ على وحدتها أو استقرارها بل ستدمرها.. أما الجيوش الوطنية فانتماؤها الوحيد للوطن ودفاعها عن ترابه وكرامته، لا تهرب ولا تنسحب ولا تنحاز لغير الشعب، وأبناء الجيوش الوطنية مستعدون للتضحية في سبيل الوطن لأن عقيدتهم الراسخة ألا يتركوا أسلحتهم مهما كان الثمن، القسم الذي أدوه ألا تتركه حتى نذوق الموت، يقينهم أن نيل الشهادة في سبيل الأرض شرف، ولهذا لابد أن تتباهى بجيشنا وقواتنا المسلحة التي لا تنتمي إلا لله والوطن، ودفاعها عن الشعب والأرض والعرض لا تقبل المساس بالأرض المصرية أو مجرد التهديد لها.
هذا الجيش يجب أن يكون مصدر فخر لنا وأن نجدد الدعم له وأن نساند كل خطط تطوير قدراته ورفع امكاناته القتالية وجاهزيته، فكل ما ينفق على الجيش الوطني لصالح البلاد والمواطن نفسه لأنه يعنى أن لديه جيشًا يحميه، كما لابد أن نرفض أي محاولات لتشويه الجيش الوطنى أو الفتنة بينه وبين المصريين لأن هذه كلها مخططات من يريدون إسقاط مصر ويدركون أن سقوط الجيش هو سقوط الدولة، لا تغرنكم كلمات المديح الكاذية أو وعود الالتزام بالدولة الوطنية ومؤسساتها التي تطلقها جماعات الخراب وسمعناها في كل الدول التي سقطت فكلها كلمات وقتية للخداع.. لكن الحقيقة تظهر واضحة وتتكشف مخططات هذه التنظيمات والجماعات عندما تسيطر، ويرتبط بهذا بالطبع التمسك بكل المؤسسات الوطنية في الدولة وفي مقدمتها الشرطة التي تحفظ الأمن وتتصدى لأى مخططات تدمير داخلية أو تهديد للأمن.
الثاني: هو القيادة الوطنية التي تعي معنى الدولة وخطوط الأمن القومي، تعرف كيف تحمى بلدها وتؤمن شعبها وتحقق مصالحها، كلما كانت القيادة وطنية كانت الدولة متماسكة ولديها رؤية وقدرة على مواجهة التحديات لأن الشعب عندما يثق في قيادته الوطنية سيقف خلفها مهما كانت التحديات والصعوبات.
الثالث: هو الشعب الواعي الذي يتمسك ببلده، قد يغضب من بعض القرارات أو التوجهات وقد يعترض لكنه لا يسمح لحظة بأن تسقط الدولة أو أن يتحكم فيها الخونة والمتآمرون، الشعب يضحي ويتحمل كي تظل دولته قوية لأنه يعلم أن كرامته من كرامة واستقلال بلده.
الرابع: هو أن الحفاظ على الدولة مهما كانت الخلافات- فرض واجب على الجميع فلا مجال للتفريط في الدولة أو التهاون وتركها لتنظيمات مسلحة أو متطرفة، لأن نهاية هذا هو الدمار والفوضى التي لا رجعة منها.
الخامس: أن المواطن ليس له إلا وطنه، فهو الذي يحتمى به، لا يحمى المواطن إلا بلده ومؤسساته أما الاستسلام للقادمين من الخارج والمنتمين لأفكار وتوجهات أخرى فهو خيانة لا يقع فيها وطني، لأن هؤلاء لن يحموا إلا رجالهم ومن يدينون لهم وأن يحافظوا على الوطن لا يطوعونه لخدمة مخططاتهم ويستخدمون الشعب لتحقيق أهدافهم.
السادس: أن الإصلاح وإن كان صعبًا وفاتورته عالية لكنه لا بديل عنه لأى دولة لأنه ينقذها من الترهل والسقوط السريع، المواطن الواعي يتحمل ثمن الإصلاح مهما كان كبيرًا لأنه سيكون ثمنًا مؤقتًا، لكنه لن يقبل ولا يتحمل ثمن الإنهيار لأنه كارثي.
السابع: أن التنظيمات المسلحة والإرهابية مثل جماعة الإخوان وإن اختفت أو تراجعت تطل ذيولها كامنة تنتظر الفرصة للانقضاض ولو على حساب الدولة ومستعدة للتعاون مع الجميع حتى أشد الأعداء، ولهذا لابد من اليقظة والحذر بشكل دائم ولابد من التذكير المستمر بالجرائم التي ارتكبوها في حق الشعوب التي حكموها، ومصر نموذج لجرائم الجماعة الإرهابية، لا يمكن نسيان عامهم الأسود الذي حكموا فيه وكادت البلاد تصل إلى الفوضي.
الثامن: إننا جميعًا لابد أن ندرك أن المخطط لم يتوقف ولم ينته وما زالت هناك خطوات أخري، ولا يجب أن تستهين بهذا الأمر، أخطر شي هو التهوين من الخطر.
أعتقد هذه ثوابت و دروس لابد أن تتوقف عندها وتستفيد منها بعدما شهدته المنطقة من كوارث وآخرها سوريا.