>> كان لأستاذنا الكبير ومهندس الصحافة المثالية جلال الدين الحمامصى مقال يومى فى العصر الذهبى للصحافة بعنوان «دخان فى الهواء» ولم يكن المقال فى حقيقته مجرد دخان وإنما كان يحمل ويعكس قضايا مجتمعية جادة ومهمة.. ولكننى اليوم أستعير منه هذا العنوان لأتحدث عن حوارات النخب المثقفة والتى شغلت بحواراتها الاهتمام والأنظار مؤخرا فى قضايا جدلية «وهمية» أو مختلقة لا تسمن ولا تغنى من جوع سواء فى «الدين» أو فى السياسة أو الاقتصاد.
فالنخبة المثقفة التى تتبادل الاتهامات وتستخدم مهاراتها الفكرية للإيقاع بالآخرين والتحقير من شأنهم والتى تتلذذ باجتماعات ومؤتمرات لا تعقد إلا فى فنادق الدرجة الأولى وعلى الموائد العامرة لا تدرك ولا تتفهم ان الناس لا تهتم بكل هذه الموضوعات.. وان الرأى العام لن يتابع حديثا عن وقائع تاريخية جرت قبل آلاف السنين ويعاد تقييمها الآن وإصدار أحكام قاطعة بشأنها.. والرأى العام لن يتقبل أن يتحدث عالم الآثار فى الدين أو أن يصبح عالم الدين هو البديل عن عالم الطب.. والرأى العام لن يعترف ولن يكترث بما يصدر عن الكثيرين من أهل الصفوة والنخبة لأن بينه وبينهم حاجزا نفسيا يمنعه من الاستماع إليهم حتى وان كان حديثهم له وجاهته.
وحين نتحدث فى هذه القضية.. فإننا نتحدث عن الصفوة التى يجب أن تكون طليعة المجتمع والتى يجب أن تتبنى قضاياه وتعبر عن همومه ومشاكله.. الصفوة التى ينبغى أن تحقق السلام الاجتماعى بالتلاحم مع المجتمع بعيدا عن صراعاتها وخلافاتها وأطماعها وطموحاتها الشخصية فنحن فى مرحلة لا صوت فيها يجب أن يعلو فوق الاصطفاف الوطنى الكامل خلف القيادة الوطنية السياسية فى وقت نواجه فيه تحديات مصيرية على الحدود وفى وقت نناقش فيه خيارات والتزامات السلام.. وفى وقت نحاول فيه عبور أصعب وأسوأ أزمة اقتصادية واجهتنا.. هذه ليست مرحلة لترف الاختلاف ولا لحوارات ينبعث منها دخان فى الهواء يتلاشى سريعا ولكنه يتحرك ويخلف وراءه سموما وأمراضا قاتلة..!
ــ ــ ــ
وتقول هيئة الاذاعة البريطانية «البى بى سي» فى تقرير لها ان عددا من الشركات العالمية يتجه لمنع النقاشات السياسية فى العمل وان هذه الشركات ستقوم بتوقيع عقوبات صارمة على من يخالف ذلك..!
والحقيقة ان القواعد التنظيمية لحوارات العمل يجب أن تتجه إلى حوارات الرياضة أيضاً.. فالنقاشات الكروية بالغة التعصب أثناء العمل أصبحت أكثر خطورة من حوارات السياسة.. وأكثر تأثيرا على العلاقات الاجتماعية بين زملاء العمل.. دا الخلاف على صحة ضربة جزاء من الممكن أن يشعل معارك بالأيدى وشتائم لا حصر لها وينعكس على روح العمل والأداء وكراهية عميقة أيضاً..!
ــ ــ ــ
ونتحدث عن سبعة أشهر من الحرب على غزة، الحرب الانتقامية التى يعتقد بنيامين نتنياهو انها ستحقق له الانتصار على المقاومة الفلسطينية وعلى حركة «حماس» نهائياً.. وهى حرب فى حقيقتها بلا نصر.. فنتنياهو لن يتمكن من القضاء على المقاومة.. فالأجيال الجديدة التى شهدت تدمير بيوتها وفقدان الأقارب والأصدقاء ستكون أشد إصرارا على استمرار المقاومة.. وإسرائيل لن تنعم بالسلام فى ظل الغضب الفلسطينى والعربى أيضاً.. ونتنياهو خاسر استراتيجيا.. وحماس شاركت فى القضاء على غزة.. ولا أحد يمكن أن يدعى الانتصار.. هذه حرب بلا نصر.. ولا حل إلا فى حل الدولتين.. ولا سلام بدون دولة فلسطينية مستقلة اليوم أو غداً.
ــ ــ ــ
ونعود إلى الأخبار الطيبة.. الأخبار التى تحمل معها البشرى لإنهاء معاناة المرضي.. وحديث فى العالم عن «ابرة» جينية تعيد السمع إلى الذين ولدوا فاقدين لحاسة السمع.. ونتحدث عن نجاح الأطباء فى بريطانيا فى حقن طفلة عاد إليها السمع بعد ست عشرة دقيقة فقط من الحقن.. والخبر يستحق أن يتصدر كل نشرات الأخبار فى كل دول العالم.. هذه الأخبار هى التى تستحق المتابعة.. وهذه الأبحاث هى التى ينبغى أن ترصد لها الميزانيات.. اسعاد وانقاذ طفل صغير أهم وأبقى من كل شيء..!
ــ ــ ــ
ولدينا معركة فنية من نوع آخر.. من هى صوت مصر؟ هل هى آمال ماهر أم أنغام أم شيرين..! وستختلف الآراء بالطبع ولن يكون هناك اجماع.. وحتى لا يكون هناك تقليل من قيمة ومكانة آمال وأنغام وشيرين.. فإن صوت مصر عبر كل العصور هو الخالدة أم كلثوم ويأتى بعدها شادية.. شادية مصر.
ــ ــ ــ
وتمضى الحياة ونمضى معها هى رحلة لنا فيها قد تطول وقد تقصر ولكن أثرنا فيها لا يعترف بمقدار ما عشناه، فقد تحيا من العمر طويلا ولا يذكرك أحد بشيء وقد تقصر رحلتك بها لكن أثرك الجميل كفيل بأن يجبر الغير على ألا ينساك.
>> وأخيراً:
>من أعطاك عينيه .. لا تجازيه بالعمي.
> وأغلى ما يمكن أن تشتريه .. للإنسان خاطره.
> وكم أتمنى أن يتزاحم الفرح .. بقلبك وألا ينبض وجعا أبدا.
> وأنت أجمل شيء فى أول صباحي .. أنت من يعطى صباح الخير معني.