فاجأ تنظيم داعش الإرهابى الأسبوع الماضى المنطقة العربية والعالم، بهجوم على أحد المساجد بسلطنة عمان، وأسفر الهجوم عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة أكثر من 30 آخرين، المفاجأة فى الهجوم ليس لأنه يحدث لأول مرة فى دولة عمان الشقيقة، ولكن لأن التنظيم الإرهابى يؤكد بهجومه الأخير أنه غير مشغول بالكيان الصهيونى أو أن إسرائيل ليست على أجندته رغم جرائمها المعروفة منذ نشأتها عام 1948 ورغم استفحال هذه الجرائم فى الوقت الحالى بمواصلة العدوان على قطاع غزة وسقوط اكثر من 39 ألف شهيد و90 ألف جريح، فى حرب إبادة شاملة تستهدف تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية.
وحقيقة فإن تغافل التنظيم الإرهابى عن تنفيذ أى عملية فى إسرائيل منذ ظهور التنظيم عام 2014، واحتلاله لمناطق واسعة فى العراق وسوريا ثم تراجعه نسبيا بعد هزيمته من قبل التحالف الدولى عام 2018 ثم عودته للظهور تدريجيا العام الماضى «2023» بتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية فى المنطقة، يعيد هذا التغافل استفسارات قديمة حول نشأة «داعش» وانها جاءت وفق مخطط غربى يستهدف إهدار الثروات العربية باحتلال آبار للبترول والتحكم فى السعر العالمى للنفط، إضافة إلى استخدام التنظيم فى إضعاف بعض الجيوش العربية وهو ما حدث بالفعل، أما لماذا تم تشكيل تحالف دولى لمحاربة التنظيم وهزيمته عام 2018، فلأن الغرب تأكد من انتهاء حاجته إلى التنظيم الذى بدأ بعض قادته يخرجون عن السيطرة وامتدت أنشطتهم الإرهابية إلى بعض الدول الأوروبية.
لقد كان ظهور تنظيم داعش «وبالا» على الدول العربية، إذ احتل التنظيم أراضى عربية بسورية والعراق تجاوزت مائة ألف كيلو متر مربع، وعبر المتاجرة بالبترول والسلاح والمخدرات، وترويع الآمنين وقطع رؤوس الرهائن، تمكن التنظيم «آنذاك» من السيطرة على نحو 10ملايين مواطن صودرت أملاكهم وفرضت عليهم الضرائب، ولم يكتف التنظيم بتنفيذ العمليات الإرهابية فى سورية والعراق، ولكنه هدد حدود مصر ومارس كل أشكال الإرهاب فى ليبيا واليمن، وأرسل عناصره لترويع الآمنين فى بعض دول الخليج، فضلا عن تدريب المجندين الآخرين على تنفيذ الهجمات فى أوطانهم، بمناطق متفرقة فى آسيا وأفريقيا.
الملاحظة الثانية فى هذ السياق أن تنظيم داعش وظهوره فى منتصف العقد الماضي، جاء عقب انهيار المشروع الاخوانى فى المنطقة، ونجاح ثورة30 يونيو 2013 فى إنهاء حكم الجماعة الإرهابية بمصر ومنع امتداد هذا الحكم فى دول عربية أخري، ومن ثم فقد بدا من تواجد التنظيم فى سوريا والعراق ثم هجماته فى بعض الدول المجاورة، أن عمل التنظيم يدخل فى نطاق مخطط الانتقام واضعاف بعض الدول العربية وترويعها وتكبيدها أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية، بمعنى أن تنظيم داعش كان مستخدما من قبل الغرب فى استنزاف الجيوش العربية وإهدار ثروات العرب، وأنه جاء لينفذ مخططا صهيونيا لتحقيق الأطماع الإسرائيلية.
نعود لسلطنة عمان ولماذا استهدفها تنظيم داعش الإرهابى والذى برر جريمته بأحد مساجدها لأسباب دينية ومذهبية، غير أن واقع الحال يشير إلى أن التنظيم ينفذ أجندات سياسية أجنبية، وان الهجوم الذى وقع بالسلطنة الغنية والهادئة والتى تنتهج سياسة سلمية مع كافة دول المنطقة والعالم، جاء لتوجيه رسالة بأن الإرهاب سيطال أكثر الدول استقراراً وأماناً فى الشرق الأوسط، وأن سلطنة عمان التى تلعب دوراً مهماً فى الوساطة لحل عدد من النزاعات فى المنطقة، ليست بعيدة عن هجمات التنظيمات الإرهابية، وأن على دول المنطقة أن تدرك ذلك.
الخلاصة هنا أن الأوضاع الحالية والمتردية فى الشرق الأوسط وعربدة إسرائيل فى غزة وغيرها من الاراضى الفلسطينية، لم تأت من فراغ وانها جاءت وفق مخطط غربي، ساهم فيه للأسف جماعة الإخوان وكل التنظيمات الإرهابية، لأجل النيل من العرب ووأد القضية الفلسطينية.. ولكن كل القراءات والتجارب التاريخية تؤكد أن هذا لن يحدث.