ابتليت أغلب بلادنا العربية فى مرحلة ما بعد (الربيع العربى ) بوباء إرهابى اسمه (تنظيم الدولة الاسلامية) الذى اختصر فى حروفه الاولى وإشتهر باسم (داعش ) والذى نشأ فى العراق بعد الاحتلال الامريكى لها عام 2003 ومنه انتشر فى سوريا وبلاد المغرب العربى محاولا الوصول الى سيناء مستظلا بحماية جماعة الاخوان اثناء حكمها الارهابى لمصر فى الفترة (2012-2013) هذا التنظيم الارهابى وأخواته من التنظيمات الاخرى والذى قتل من العرب والمسلمين ما يقترب من المليون إنسان والذى لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل بل تعاون معها وتعالج فى مستشفياتها فى الجولان السورى المحتل ! هذا التنظيم والذى لايزال موجودا ومنتشرا فى غالب بلادنا العربية ولا يزال يعمل وينشط فى تفكيك الدول العربية وخدمة المخططات الغربية والاسرائيلية بالتحديد ..هذا التنظيم الارهابى فى تقديرنا ليس هو الخطر القادم بل إن الخطر القادم على الامن القومى العربى وعلى مجتمعاتنا الاسلامية هو (داعش التى بداخلنا ) وتعيش بيننا وتتسرب فى داخل ثقافتنا وديننا السمح ملتحفة بدعاوى زائفة باسم حماية الاسلام والذود عنه وهى بالاساس مصدر الخطر الاكبر القادم والذى يعمل فى سرية ووفق خطط طويلة المدى وعبر خلايا تنظيمية وفكرية نائمة سنفاجأ بها تستيقظ بعد حين وبعد أن تكون قد مهدت البيئة والارض لقبول فكر وثقافة وسلوك الارهاب ! إن الإرهاب الأخطر فى ظنى – والذى ننبه ونحذر منه ومن الآن – هو ذلك الذى فى أماكن ومواقف وسياسات أخرى لقوى وتيارات، تعمل بداخلنا، يقول ظاهرها إنها مع الدولة فى حربها ضد « الإرهاب « ويقول فى باطنها إنها تؤدى إلى ذات النتيجة التى تبتغيها داعش، استنزاف الوطن (جيشه وشرطته، إعلامه وقضاته، أزهره وكنيسته.. إلخ) فى معارك فرعية وتؤدى إلى ذات الأهداف الداعشية، هذه القوى توصف أحياناً بـ(القوى المدنية) يعنى غير الدينية، وإذا أضفنا إليها قوى أخرى من اتجاهات دينية أبرزها الاتجاه المتسلف(أى يدعى ويسرق مصطلح السلفية الاصيل والمبرأ من غلوهم وشططهم) لاتزال تمثل بفتاويها المتطرفة والمفرخة والحاضنة لفتاوى داعش، إنها مرجعيتها الأولى والأخطر حين يتعلق الأمر بقضايا الوطن الكبرى أو بمكوناته التاريخية المترابطة وهنا نود أن نبين ونوقظ العقول للآتي:
أولاً : كيف يتسنى لنا أن نفصل بين داعش التى تفجر وتحرق بيوت ومقدسات وأشخاص المسلمين والمسيحيين العرب وتكفرهم جميعا، كيف نفصل كل ذلك عن تلك الفتاوى الظلامية التى لاتزال قائمة ومنتشرة لدى العديد من التيارات المتطرفة المنتسبة زورا للسلفية فى بلادنا وفى دول الخليج، كيف نفصل موقفهم وفكرهم التكفيرى والسلبى تجاه (المواطنين المسالمين) عن (فعل) داعش الدموى ؟! لنتأمل على سبيل المثال لا الحصر صحف ومواقع الدعوة لدى تلك الهيئات والاحزاب الدينية المرخصة للاسف والتى لاتزال تحرم السلام على أصحاب العقائد أو المذاهب المخالفة وحرمة بناء أماكن عبادتهم وتكفير من يهنئهم بأعيادهم وضرورة فرض الجزية عليهم، وحرمة توليهم للمناصب العليا فى البلاد، وكفر من يتناول طعامهم، وغيرها من الفتاوى الشاذة التى يصدقها بسطاء الناس للاسف والتى تمثل زاداً فكرياً وفقهياً لداعش وأخواتها، تبرر من خلاله سلوك القتل والارهاب، وقتلهم ممن ليسوا على مذهبهم التكفيرى الذى أسسته مثل تلك الفتاوى والأفكار الضالة !!.
* إن مثل تلك الفتاوي، والتى لم يعتذر هؤلاء الشيوخ عنها حتى لحظة كتابة هذه السطور ولاتزال موجودة على مواقعهم وفى مساجدهم وعلى منابرهم الاعلامية وشبكات التواصل التى لايزالون يبثون فيها ترهاتهم الخارجة عن صحيح الدين والمسيئة للنبى صلى الله عليه وسلم وللقرآن العظيم.. كيف نفصل ين هؤلاء وداعش التى فى بلادنا العربية ؟ إن (الفكر) الذى يكفر ويفسق ويبدع المسلمين ويبرر ذبح المخالفين لهم فى الدين أو المذهب هو الأخطر من (السلاح) الذى يقتل، إن داعش التى بيننا والتى لاتزال تبث سموم فتاويها الخوارجية (نسبة إلى الخوارج) لهى المرجع الأصلى ومن ثم هى الأخطر من داعش التى تقتل بالسلاح !! .
ثانياً : ثمة فريق داعشى آخر بيننا وإذا أردنا الإشارة بوضوح إليه، فإن من يقفون مع عدوان الغرب وإسرائيل، أو يتبنون مواقفهم خاصة بعد حرب الابادة فى غزة والتى بدأت يوم 7/10/2023 ولاتزال مستمرة وينشرون الاشاعات ضد الوطن وضد البلاد العربية الموحدة بهدف تفكيكها ونشر الفوضى بداخلها …إن المجرى الرئيسى لرسالة هؤلاء الفوضويين هو ذات المجرى الرئيسى لرسالة داعش وخلاياها النائمة واليقظة؛ المتمثل فى ملف الإرباك والفوضى والقلق وبث روح الإحباط والكراهية لدى جموع الشعب تجاه جيشه ووطنه، إنها ذات الرسالة التى تتبناها داعش التى لاتزال فى ليبيا وسوريا والعراق؛ فباسم الحرية تشيع الفوضي، وباسم السبق الصحفى لدى صحافة هؤلاء الفوضويين تزرع الإحباط والتفكيك، وباسم «الديمقراطية» وتمارس الاستنزاف المادى والروحى للبلاد.
ثالثاً : خلاصة ما نريد قوله هو أن أخطر من (داعش- التنظيم ) التى بلادنا العربية، هى داعش التى تعيش بيننا سواء كانت دينية متسلفة متطرفة وتكفيرية، أو إعلامية وسياسية (أحياناً علمانية) تذهب بنا إلى ذات المسار والمصير، مسار الهدم للوطن ومصير تفككه ورهنه للقوى المعادية، هذا يعنى ببساطة ووضوح، أن أى مواجهة لداعش المسلحة والقاتلة للأبرياء (داعش الخشنة) بمعنى أدق لن تنجح، بدون مواجهة لـ (داعش) ذات الفتاوى والصحافة والسياسة (داعش الناعمة)، ؛ إنها باتت اليوم أخطر وأكثر تدميراً من «داعش المسلحة»، إنها تتسرب – كما كان يقول الشاعر الكبير محمود درويش واصفاً اليهود – كالنمل من عيوبنا (حين كان يقول شعراً : ما دخل اليهود من حدودنا …. وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا). إن داعش التى بيننا تماماً كالصهاينة، كما وصفهم محمود درويش، (تكمن) وتسربت من (عيوبنا) من داخلنا !!. وعلينا أن ننتبه ونستعد!