تعد دار كسوة الكعبة المشرفة من الشواهد الأثرية الباقية المميزة بحى الجمالية دلالة على مكانة مصر المرموقة فى العالم الإسلامى حيث ظلت مصر ترسل كسوة الكعبة إلى البيت الحرام منذ عهد سيدنا عمر بن الخطاب حتى الستينيات من القرن الماضي.. ورغم أن مبنى دار كسوة الكعبة يدخل ضمن الآثار المصرية المهمة إلا أنها لم تأخذ حظها من اهتمام وصيانة القائمين عليها سواء وزارة السياحة والآثار أو وزارة الأوقاف التى كانت الدار تتبعها حتى نهاية عام 3102 عندما اتخذت الطابع الأثري..والإهمال هو عنوان تلك الدار العريقة التى تشكو صراع الأوقاف والآثار على تحمل تكاليف تجديدها.
«الجمهورية» قامت بجولة فى محيط دار كسوة الكعبة حيث لم نتمكن من دخولها بسبب إغلاقها لسنوات طويلة حتى صارت مقرا لتجميع مخلفات المنطقة.
استطلعنا آراء سكان حى الخرنفش المجاورين لدار الكسوة الذين أكدوا أن الدار اختفت معالمها وطمست قيمتها التاريخية نتيجة إهمال الأوقاف التى حولتها إلى مخزن كراكيب كما يوضح الحاج صابر حسين أحد سكان المنطقة مشيرا إلى أن العمال كانوا ينسجون الكسوة بالنول والإبر والخيوط الذهبية على أقمشة الخيامية السوداء لمدة عام، وتخرج من الحارة باحتفال كبير محملة ولكن للأسف تم إهمال ذلك الأثر المهم.
اتفق معه فى الرأى عم بشندى صاحب محل تجارى بالمنطقة قائلاً: سمعت قصصاً كثيرة عما كان يتم من عمل داخل الدار والاحتفالات التى كان يحضرها الرؤساء لكن للأسف تحولت إلى مخزن للأوقاف ولا أحد يهتم بها على الإطلاق رغم أنها سجلت ضمن المبانى الأثرية حتى الباب الأثرى اختفى والأوقاف قامت بوضع باب حديدى موضحا أن الدار عبارة عن غرف صغيرة ليس بها أى شيء يدل على ان ذلك المكان كان يصنع بداخله كسوة الكعبة الشريفة وكان يوجد بها مسجد صغير ويؤدى السكان الصلاة فيه إلى أن توقف قبل 15 عاماً أو معنى ادق بعد أن تسلمت الاوقاف مفتاحها حيث تحولت إلى مخزن تابع لوزارة الأوقاف يوضع فيها دواليب قديمة وكراسي.
طالب عم بشندى الأوقاف بتسليم المكان لوزارة السياحة والآثار وخصوصا أنها مسجلة كأثر ويمكن أن تتحول يوماً ما الى مزار سياحى يأتى الجميع لزيارته.
أوضح د. طه صابر مدير آثار الجماليه بوزارة السياحة والآثار أنه تم إنشاء دار كسوة الكعبة المشرفة عـام 3321هـ / 6181م بحى الخرنفش الذى يتبع منطقة الجمالية لافتا إلى أن محمد على باشا هـو مـن أمـر بإنشـاء دار تخـتص بإنتـاج كسوة الكعبة المشرفة.
مع بداية الدولة الفاطمية تم الاهتمام بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر وكانت الكسوة بيضاءاللون وفى الدولة المملوكية وفى عهد السلطان الظاهر بيبرس أصبحت الكسوة ترسل من مصر حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف يجب ألَّا ينازعهم فيه أحد و أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر فى عام 751هـ وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة وهذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما باسوس وأبوالغيط وكان يتحصل من هذا الوقف على 0098 درهم سنويا وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثمانى سليمان القانونى واستمرت مصر فى نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية فقد اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية وكسوة مقام إبراهيم الخليل وفى عهد السلطان سليمان القانونى أضاف أن الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى ليصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه فى قافلة الحج المصري. .وقد تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحى «الخرنفش» واستمر العمل فى دار الخرنفش حتى عام 2691م إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة عندما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
أشار صابر أن وزارة الآثار قد وافقت على تسجيل الدار لمرور أكثر من مائة عام على إنشائها ولتفرد المهمة التى خصصت من أجلها وكانت الدار تضم أكثر من 003 مغزل لغزل الخيوط السميكة والدقيقة إضافة إلى نحو 07 آلة لتجهيز القطن قبل غزله أما قسم النسيج فيضم 003 نول لصنع القماش لافتا أن محتويات الدار الان موجودة بمخازن تتبع وزارة الأوقـاف.
لكن مع مرور السنوات سيطرت على الدار أيادى الإهمال وحولتها إلى مجرد مخزن يضم المهملات وبواقى الأثاث من الأبواب والمكاتب والكراسى والخردة برغم تسجيلها كمبنى أثرى كما يمكن تحويلها إلى متحف يروى تاريخ مصر المشرف فى صناعة كسوة الكعبة الشريفة.
أعرب مدير آثار الجمالية عن اسفه لما آلت إليه أوضاعها، حيث تواجه الدار مظاهر الإهمال الشديد منذ إغلاقها حتى إنه لا توجد لافتة توضح هويتها وحول محاولة ترميم تطوير دار كسوة الكعبة. أوضح صابر ان مشروع تطوير دار كسوة الكعبة ليس من اختصاص وزارة السياحة والآثار بحسب المادة 03 من قانون حماية الآثار على أنه تتحمل كل من الوزارة المختصة بالأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وهيئة الأوقاف القبطية والكنائس المصرية والأفراد والجهات الأخرى المالكة أو الحائزة لعقارات أثرية أو تاريخية مسجلة نفقات ترميمها وصيانتها إذا رأى المجلس الأعلى للآثار ضرورة لذلك ويكون ذلك تحت إشرافه ووفقا لذلك ارسلت وزارة السياحة والآثار اكثرمن خطاب إلى وزارة الأوقاف تطالب فيه بترميم وتطوير الدار وتحويلها إلى متحف يقص حكاية صناعة كسوة الكعبة ولكن لا نتلقى إجابة لا بالسب ولا بالإيجاب
واضاف مدير آثار الجمالية ان تم تشكيل لجنة برئاسته من حوالى عام ونصف العام لجرد محتويات الدار ولم يتم حصر أى شيء سوى بعض منابر قديمة ونوافذ متهالكة وأبواب خشبية وسجاد قديم بها لأنها تحولت إلى مخزن لمخلفات وزارة الاوقاف.