سيظل التاريخ يذكر بأحرف من نور مدى إصرار القيادة السياسية فى مصر على إنشاء السد العالى بصرف النظر عما يمكن أن يعانيه هذا المشروع من عقبات وصعاب وبالفعل عندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر عن نية الحكومة القيام بهذا المشروع العملاق من حصيلة قناة السويس التى كان عبدالناصر انتزعها من براثن الأجانب وجعل منها شركة مساهمة مصرية.. حتى هاجت الدنيا فى أوروبا حيث تركزت تصريحات زعمائها لاسيما فى بريطانيا وفرنسا على منع مصر من بناء هذا المشروع بشتى السبل والوسائل وقد بدأت الإجراءات الانتقامية فى هذا الصدد بالإيعاز إلى صندوق النقد الدولى بسحب التمويل الذى كان قد قرره لهذا الغرض مما أثار حفيظة جمال عبدالناصر واتجاهه على الفور إلى روسيا التى رحبت بالتعاون معنا فى عملية بناء السد العالى حتى تم وضع حجر الأساس يوم 9 يناير عام 1960 وتدخل مصر فى موجة تحدٍ عالمية استمرت عشر سنوات كاملة ليخرج السد العالى إلى النور بطول 3600 متر عرض القاعدة و980 عرض القمة وارتفاع 111 مترا وبلغت تكاليف بناء السد فى هذا التوقيت مليار دولار.
من هنا يتأكد مدى التقدم الفكرى لحكام مصر منذ بداية ثورة يوليو 1952 فضلا عن تمتع هؤلاء القادة بالشجاعة والجرأة ودعونا نتوقف هنا لنتساءل:
ترى لو لم تكن مصر قد أقدمت على بناء هذا المشروع الأضخم فى حياتها وجاءت إثيوبيا بعد تلك الفترة الطويلة لتبنى سدا عندها ماذا كان يمكن أن يحدث؟
الإجابة باختصار شديد.. فقدنا رصيدنا الإستراتيجى من المياه بعد أن كانت تذهب هباء ليبتلعها البحر الأبيض المتوسط.
ليس هذا فحسب بل إن السد العالى ساعد على حماية البلاد من الفيضان والجفاف فى آنٍ واحد وأيضا الإسهام فى توليد الكهرباء وفى زيادة الرقعة الزراعية من خمسة ملايين فدان و500 ألف إلى سبعة ملايين و900 ألف فدان.
ثم.. ثم.. لقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يقيض ابنا صادقا فى أقواله وأفعاله ودارسا لتاريخ بلاده فكانت هذه الجهود والمبادرات المستمرة للحيلولة دون أية محاولات خبيثة النوايا تستهدف الإضرار بالسد فى نفس الوقت الذى يقرر فيه القيام بأعمال صيانة متكاملة وتحديث وتجديد لا تتوقف للسد العالى الذى قالت الهيئة الدولية للسدود إنه تفوق على 122 مشروعا عملاقا على مستوى العالم.
على الجانب المقابل فإن توجيهات الرئيس الدائمة والمستمرة تقضى بتوفير كل ما يحتاجه السد العالى حاليا من برامج وخطط مهما بلغت من ملايين الجنيهات ليظل دائما وأبدا رمزا للإرادة الصلبة والعزيمة التى لا تلين والإدراك الواعى لمصالح الشعوب.. كل الشعوب.
و.. و.. شكراً