نصر أكتوبر.. ملحمة بكل المقاييس علينا أن نفخر ونعتز بالذين ساهموا فيه وضحوا بأرواحهم لاستعادة الكرامة.. بدءاً من الطلعة الجوية الأولى التى دكت بـ 222 طائرة مقاتلة حصون ودفاعات الكيان الصهيوني.. وانتهاء باتفاقية السلام التى أنهت احتلال بقعة غالية من أرض المحروسة وهى سيناء الغالية والعزيزة على نفوس كل مصرى غيور على بلده لمدة 6 سنوات من يونيو عام 67 وحتى أكتوبر 1973.
لقد استطاع الجندى المصرى الجسور والأبى بالتحدى والصمود قلب موازين القوى العالمية بخطة اعتمدت على عنصر المفاجأة للعدو حيث تم بحرفية وبخداع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية فى آن واحد لاسترداد الأرض المغتصبة لتلقن العدو درساً لم ولن ينسوه بدليل الغصة التى مازالت عالقة بحلوق هؤلاء والتى نشاهدها على وجوه كل المحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين عندما تأتى تلك المناسبة لأنها أذهلتهم وكشفت زيفهم بأنهم قوة لا يمكن قهرها.. ولكن الجندى المصرى استطاع بالتخطيط وبالصبر وبالاحترافية دحرهم فى 6 ساعات فقط.. وهى بالمقاييس العسكرية سابقة لم تشهدها الحروب من قبل خاصة مع خط بارليف الحصين الذى أدعت إسرائيل استحالة تدميره فى زمن قياسى أذهل العالم.
لقد صاحب نصر أكتوبر حكايات وبطولات مازلت أتذكرها رغم مرور 51 عاماً على ذكراها المجيدة والعطرة.. ومازلت أتذكر ما جاء على لسان الذين شاركوا فيها من الجنود المتطوعين من أهل قريتي.. حيث أجمع أغلبهم على نسيانهم أنهم صائمون وأنهم لم يشعروا بجوع أو ظمأ وأنهم كانوا يحملون المعدات والذخيرة والصواريخ المحمولة على الكتف بالساعات وأنهم طوال شهر رمضان لم يصبهم أى تعب أو خوف بل كانوا يزأرون كالأسود.. وأن ترديد كلمة «الله أكبر» كانت بمثابة الزاد والشراب والقوة.. وأكدوا أنهم كانوا يتحركون بكل خفة وجرأة فى ساحات الحرب وكانوا يستمدون الشجاعة والمنعة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم التى كانت أغلبها فى رمضان.
مازلت أتذكر ما كان يكتب عن تلك الملحمة فى الصحف وما كان يلقبه الخبراء على مسامعنا من خلال الشاشة الفضية وقتها كنت أتمنى أن أكون واحداً من هؤلاء الجنود الشجعان أو أن أكون من الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم أمثال ابن عمى عماد الدين سليمان فقد كان مجنداً بعد تخرجه فى كلية التجارة وكم كنت سعيداً عندما كنت أشاهد عمليات القصف للدبابات والمركبات الصهيونية وزادت سعادتى عندما شاهدت العقيد عساف ياجورى فى قبضة رجالنا الأشداء وعلامات الحسرة والهلع بادية على وجهه وكم كانت سعادتى بعبدالمعطى صائد الدبابات حيث أسقط وحده 23 دبابة وكلما قرأت أو سمعت عن سقوط قتلى من إسرائيل زاد فخرى فقد خسروا حوالى 10آلاف قتيل وهى أكبر خسارة للإسرائيليين.
الحقيقة ملحمة أكتوبر يجب علينا كأباء أو أجداد ممن عاصروا هذه الأيام المجيدة أن نحكى لأبنائنا عن بطولة جنودنا وبسالتهم.. وأن نصطحبهم إلى متحف بانوراما أكتوبر بمدينة نصر الذى فيه تم تجسيد ذكرى انتصارات أكتوبر بأحدث الوسائل الفنية والتكنولوجية المتطورة بالصوت والصورة وكى يشاهد الأبناء فى ساحة العرض المكشوف بالمتحف النماذج من الأسلحة التى شاركت فى الحرب والتى تم الاستيلاء عليها من العدو ومن بينها طائرات حربية إسرائيلية وأذكر أننى اصطحبت أولادى وهم صغار إلى هذا المتحف الرائع وكنت حريصاً وهم بجوارى على مشاهد تعبيرات وجوههم ومدى الفرحة والدهشة فى عيونهم وعندما كبروا كنت أحثهم على مطالعة الكتب التى تناولت هذا النصر العظيم وعلى مشاهدة الأفلام التى صورت تلك اللحظات الفارقة فى تاريخ مصر ودائماً أقول لهم: أفراد التحليلات السياسية والعسكرية المصرية والدولية والتى وصفت بإجماع بأن نصر أكتوبر معجزة بكل المقاييس واعلموا كيف أن المهندسين العسكريين فتحوا 70 ثغرة فى خط بارليف خلال 5 ساعات فقط وكيف تم إنشاء 10 كبارى لعبور الدبابات والمعدات الثقيلة وتشغيل 35 معدية نقل و720 قارباً مطاطياً لعبور قواتنا.. وكيف أن 2000 مدفع شارك فى التمهيد النيرانى وأن فى 20 دقيقة دمرنا 150 دبابة إسرائيلية.
وعلينا كآباء أن نحكى لأولادنا عن أن الشعب كان له دور كبير فى المعركة فقد كان حائط الصد الداخلى حيث كان المواطنون يتسابقون بالتبرع بالدم وحتى بجزء من رواتبهم وكانوا يتطوعون للانضمام إلى الفرق الطبية بالمستشفيات والهلال الأحمر والمساعدة فى تضميد الجرحى وأن نحكى لأولادنا أنه طوال الحرب تراجعت معدلات الجريمة بكافة أنواعها وأنه أقسام الشرطة لم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم دون حراسة فى أوقات الغارات الإسرائيلية ونقول لهم أن الكثير من المواطنين تبرعوا بممتلكاتهم من أموال ومجوهرات للمجهود الحربى وكيف إن التبرعات انهالت على القوات المسلحة لتعويض خسائرها وإعادة بنائها مرة أخرى وغيرها من الحكايات والبطولات المشرفة.
وعلينا كذلك أن نذكر أولادنا بأمجادنا وبتاريخنا المشرف وحضارتنا التليدة على مر التاريخ وأن نحكى لهم عن أبطالنا الذين صنعوا هذا النصر أمثال الرئيس الراحل أنور السادات رجل الحرب والسلام والرئيس الراحل حسنى مبارك صاحب الطلعة الجوية والمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية والفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان واللواء عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات واللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث وغيرهم وعلينا إفهام أولادنا بأن يستلهموا الإرادة والعزيمة.. وأخيرا:
> أتمنى زيادة الإنتاج للأفلام التى تتحدث عن نصر أكتوبر
> كما أتمنى دخول متحف بانوراما أكتوبر الرائع.. طوال العام بالمجان
> تنظيم القوات المسلحة للمعرض السنوى للثقافة العسكرية.. مهم لأجيالنا
> عودة الكرامة والعزة وأرض الفيروز.. من مكاسب أكتوبر
> مصر ستظل فى رباط إلى يوم الدين.