منذ شهور التقيت وزير الخارجية السودانى بعد ساعات قليلة من توليه المسئولية وكان الرجل متفائلا وينظر إلى الأزمة الخانقة التى يتعرض لها السودان على أنها اختبار صعب سيجتازه السودانيون رغم كلفته الباهظة على مقدرات السودان المكلوم بهذه الحروب والنزاعات والصراعات ، كان رهان الرجل على إمكانية تحييد الأطراف الإقليمية والدولية عن التدخل فى الشأن السودانى ومساندة المتمردين من قوات ميليشيا الدعم السريع ، لم ينس الرجل ان يوجه رسائل تحذيرية للدول الغربية وخاصة بريطانيا بالكف عن التدخلات بفرض مبادرات ووضع اجندات لا تتسق مع مصالح وسيادة السودان ، وأضاف أن السودان استعان بروسيا فى مجلس الأمن ضد تحركات لندن ومحاولتها تمرير مشروع قرار إرسال قوات اجنبية للسودان.
<<<
وخلال الأيام الماضية جرت سلسلة من الأحداث يمكن رصدها سريعا كما يلي: أولاً تقدم الجيش السودانى وبسط نفوذه على الخرطوم بشكل شبه تام وجار استكمال تنظيف وتطهير العاصمة من فلول الميليشيا الانفصالية، ثانياً: لقاء وزير الخارجية السودانى ونظيره الروسى والإعلان عن تفاهمات استراتيجية بين البلدين ستفضى إلى قاعدة روسية فى السودان، ثالثاً: عقد مؤتمر فى أديس أبابا عن الوضع فى السودان دون حضور البرهان والحكومة السودانية، رابعاً: استضافة العاصمة الكينية نيروبى لأخطر حدث سياسى قد يغير مسار الصراع فى السودان من حرب بين الجيش والمتمردين إلى حرب أهلية قد تستمر عشرات السنين.
<<<
حيث غادرت وفود سودانية أهلية ونسوية وشبابية من شرق دارفور وغرب كردفان، إلى العاصمة الكينية نيروبي، لحضور فعاليات توقيع الميثاق السياسى الخاص بتشكيل الحكومة الموازية فى المناطق التى تسيطر عليها قوات الدعم السريع ومن المتوقع أن يتم توقيع الميثاق السياسى غداً الاثنين من قبل القوى السياسية والأهلية المؤيدة لتشكيل الحكومة فى مناطق سيطرة الدعم السريع ويعقب توقيع الميثاق و إعلان الدستور وتشكيل الحكومة، خامساً: وزير الخارجية السودانى حذر بريطانيا من التحرك ضد السودان وقال لمسئولين بريطانيين دعونا نتعامل كأصدقاء بدلاً من المواجهات والاحتكاكات فى المحافل الدولية.
<<<
وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد نشرت أخباراً عن لقاءات سرية جرت بين مسئولين بريطانيين وقوات الدعم السريع مما أثار غضب الحكومة السودانية وقلق الأطراف الباحثة عن حلول تعيد الدولة السودانية إلى بسط نفوذها على جميع الأراضى السودانية دون تدخلات خارجية، هذه الأحداث المتسارعة تؤكد أن السودان قد دخل النفق المظلم ويبدو – للأسف – أنه لن يخرج منه سالماً، فالهزائم الميدانية التى منيت بها الميليشيات السودانية المدعومة من بعض الدول الإقليمية هى التى دفعت قوات الدعم السريع والفصائل المناصرة لهم من التوصل لفكرة تشكيل حكومة موازية لمحاولة نزع الشرعية عن حكومة بور سودان وادخال البلاد فى «مود» التقسيم.
<<<
فما فشل فيه حميدتى فى ساحات المعارك يريد أن يعوضه فى ساحات أخري، ثم جاءت المحادثات السودانية الروسية ومخرجاتها لتنبه الغرب بخطورة أن يترك السودان مهملا مهمشا لتلتقطه روسيا أو الصين، هذه الأحداث كونت فيما بينها صورة مرعبة ومخيفة عن مستقبل السودان الذى دخل فى نفق مظلم ربما ينتهى بتقسيم جهوى أو قبلى للسودان ويتحول الوضع على الحدود الجنوبية لمصر إلى ما يشبه الكارثة المستدامة.