مر خمسة عشر عامًا على تولي فضيلةُ الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر الشريف مطلع العقد الثاني من القرن الحالي كان فيها نعم الإمام القائد المُلهم، والعالِم العامل القدوة، والمجدد المستنير، والوطني المخلص الأمين.. فما أن تولى فضيلتُه حتى قاد مسيرة الإصلاح والتطوير في الأزهر على كافة المستويات وفي مختلف النواحي؛ فأحدث نهضة وإنجازات غير مسبوقة في كل هيئات الأزهر وقطاعاته المختلفة ونظم تعليمه وتطوير مناهجه، واستحدث مراكز متنوعة كان لها كبير الأثر في أداء الرسالة ومواكبة العصر وتلبية نداء الوقت والتحديات، ونجح في استعادة دور الأزهر الريادي العالمي محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
ووفي مقدمة إنجازاته إعادة إحياء هيئة كبار العلماء؛ فتوفر بذلك الملاذ الآمن والمرجع الحصين الأصيل لجموع المسلمين في العلوم الإسلامية والعربية ومعرفة أحكام الشريعة الإسلامية، في وقتٍ انتشرت فيه جماعات التطرف والتشدد من ناحية، وجماعات هدم ثوابت الدين الإسلامي والتفريط في أحكام شريعته من ناحية أخرى، فكان قرار إعادتها ضرورة مُلحَّة؛ لصيانة ثوابت الدين الحنيف وأحكام شريعته السمحاء من الغُلُو والتشدد أو التفريط، ونشرها وفق المنهج الوسطي المعتدل، ولاستعادة مصر مكانتها الطبعية إقليميًا وعالميًا بوجود هيئة تمثل المرجعية الأولى في العلوم الإسلامية ومعرفة أحكام الشريعة والفصل في مستجدات العصر التي تتعلق بذلك لجموع المسلمين السُنَّة في شتى أنحاء العالم بمختلف مذاهبهم الفقهية.
كما نجح بحكمته المعهودة وحسَّه الوطني وجهوده المخلصة أن يجعل من الأزهر إبَّان الحقبة العصيبة والمرحلة استثنائية من تاريخ البلاد أعقبت الخامس والعشرين من يناير عام 2011م صمام الأمان وطوق النجاة، واستطاع أن ينجو بسفينة البلاد من الغرق في بحار التمزق والصراع والاستقطاب السياسي والحزبي، ورسا بها إلى شاطئ الوحدة والأمان وضمان الحريات، مؤكدًا أن المصلحة الوطنية والحفاظ على أمن الوطن وسلامته مقصدًا أساسيًا من مقاصد الشريعة يُقدَّم على ما سواه.
وهاهو الأزهر الشريف يواصل تحت قيادة فضيلته حتى يوم الناس هذا –وسيظل إلى يوم الدين- دوره الوطني بكل شرف ونزاهة وأمانة وإخلاص في معركة البناء والتنمية، وحماية الأمن الفكري وصون السلام المجتمعي، وفي مواجهة قوى الشر والتطرف والإرهاب، ومساندة الدولة المصرية في مواجهة التحديات.
كما كانت لفضيلته- ولا تزال- مواقفه المشرفة تجاه القضية الفلسطينية مع اشتداد التطورات والأحداث والأخطار في العقدين الأخيرين، وتسارع عمليات التهويد للمدينة، والاعتداءات الصهيونية على مقدساتها الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى، والتهجير القسري للشعب الفلسطيني وبناء مستوطنات صهيونية على أرضه، وأمام الحصار وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقضاء على كافة مظاهر الحياة التي يشهدها الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر 2023م وحتى يوم الناس هذا، كانت مواقف الأزهر المشرفة في عهد فضيلته تمثل صوت الحق أمام موت الضمير العالمي والإنساني، والشمعة المضيئة وسط الظلام الدامس من الصمت والخزي والتخاذل وتزييف الحقائق، فكان موقفه قويًا يصدح بالحق، مهاجمًا العدوان الصهيوني وإرهابه الوحشي بكل ما أوتي من قوة، مسخرًا كل ما لديه من إمكانات لفضح انتهاكاته وجرائمه الوحشية في الأوساط الإقليمية والدولية، مسلطا الضوء على جرائمه الشنعاء، ومطالبا العالم الحر بالإنصاف والتدخل الفوري ومواصلة الضغط من أجل وقف هذا العدوان الغاشم، بجانب تقديمه الدعم المادي والإغاثي والمعنوي لأهالي غزة، ودعم الموقف المصري الخالد من رفض تهجير سكان قطاع غزة.
وعن نشر السلام العالمي وإحلال السلم المجتمعي فجهود فضيلته لا تخفى في إحلال السلم المجتمعي ونبذ العنف والتطرف والكراهية وترسيخ ثقافة الحوار والتعايش المشترك امتدادًا لجهود علماء وشيوخ الأزهر الشريف وانبثاقًا من معالم منهجه الوسطي الأصيل، والتي تتوجت بعقد وثيقة الأخوة الإنسانية، تلك الوثيقةُ التاريخيةُ المهمةُ التي جاءت كثمرةٍ لجهودِ فضيلته في نبذِ العنفِ والكراهيةِ والتطرفِ والتمييزِ العنصريِ بكافة ألوانه، ونشرِ السلامِ وترسيخِ ثقافةِ الحوارِ والتعايشِ المشترك.. تلك الوثيقةُ التي تعدُ علامةً فارقةً في العلاقةِ بين الشرقِ والغربِ؛ لما انبثقَ عنها من إرساءٍ لحقوقِ ومواثيقَ ومبادئَ وقيمٍ إنسانيةٍ تتوجت بإقرارِ الجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدةِ ليومِ الرابعِ من فبراير من كل عامٍ يومًا دوليًا للأخوةِ الإنسانيةِ، وذلك لما كان للوثيقةِ من صدىً وانعكاسٍ على كافةِ الأصعدةِ المحليةِ والإقليميةِ والدوليةِ.
ولا يزال عطاء فضيلتُه متواصلا وفياضًا ومستمرًا بكل عزم وأمانة وإخلاص وفي مختلف النواحي العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية كافة، وفي الدفاع عن الإسلام وتراثه ورموزه ومقدساته، والاهتمام بالقضايا المعاصرة كقضايا النوازل والأسرة والمرأة ومستجدات العصر، ولم شمل المسلمين، والحوار والتواصل مع الآخر، والانفتاح على المؤسسات والمنظمات العلمية والدُولية، ونشر السلام ونبذ العنف والتطرف، وإحلال السِلم المجتمعي، والحفاظ على الوحدة الوطنية، ومجابهة قوى الشر والإرهاب، ونشر ثقافة الإسلام وأحكام شريعته السمحاء إلى العالم في صورتها الأصيلة الوسطية المعتدلة، والتي تهدف إلى إسعاد البشرية، وتقدم الإنسانية، وترسيخ روح التآلف والمواطنة والتعايش المشترك والسلام بين العالم دون النظر إلى اللون، أو الجنس، أو العقيدة.