كانت الأزمة الاقتصادية ومازالت مركبة ومعقدة وتحتاج تدخلات عاجلة وشاملة ومتزامنة وجريئة، فالعالم يعيش صدمة تضخمية حادة أثرت وتؤثر على مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم السياسية فى العالم بأسره، وكل دولة تحاول أن تتخذ حزمة إجراءات مسكنة فى الأجل القصير بينما ينحو الجميع إلى البحث عن حلول جذرية فى الأجلين المتوسط والطويل، بيد أن روشتات الإصلاح تختلف من دولة إلى أخرى بحسب مجموعة عوامل منها قوة الاقتصاد وتنوعه والموارد الاقتصادية المتاحة وعدد السكان ونسبة الفقر والظروف الجيوسياسية والدين العام وحجم الاستثمارات إلى آخر هذه العوامل، لكن الملاحظ ان هناك قواسم مشتركة بين الجميع منها توحيد وتحرير سعر صرف العملات الأجنبية وتركه لقوى العرض والطلب بشكل مطلق او إدارته بشكل كامل مع توافر الموارد الكافية من العملات الصعبة لكبح جماح الانفلاتات السعرية والتلاعبات المتعارف عليها، وهناك تحرير شبه كامل ولا يتدخل البنك المركزى إلا بالقدر الذى يصوًّب الأخطاء ويمثل عنصر توازن رقابياً وإدارياً، مصر تعرضت خلال العامين الماضيين لأسوأ أزمة اقتصادية نتيجة عوامل اقتصادية وعوامل جيوسياسية لا يمكن أن يغفلها غافل، ومع اشتداد الأزمة والشعور بالاختناق بدأت الأصوات تتعالى مطالبة بضرورة وحتمية تحرير سعر الصرف دون إبطاء، القيادة السياسية رفضت عملية التحرير الكامل دون أن يكون هناك موارد دولارية متاحة تمكن البنك المركزى من السيطرة والتدخل فى الوقت المناسب حال وجود أزمات حادة، اضطرت الدولة إلى تأجيل القرار لحين ترتيب البيت من الداخل اقتصادياً وبعد صفقة رأس الحكمة كان لزاماً القيام بتنفيذ هذه الخطوة بجرأة تامة ودون قص ولصق، أمس فعلت الدولة ما كان مطلوباً وواجباً وبقى أن نعرف ما يلى وباختصار شديد فالإجراءات التى اتخذها البنك المركزى أمس ستؤدى إلي:
– توحيد سعر الصرف بشكل نهائى خلال أيام.
– اختفاء «قسري» للسوق السوداء الموازية خلال أيام.
– عودة تدفقات عائدات المصريين العاملين فى الخارج.
– انتظام دخول عائدات السياحة والتصدير للقطاع المصرفى «اختياريا».
– نهاية عصر الدولرة إلى الأبد.
– عودة تدفقات الاستثمار العربى والأجنبى بعد توحيد سعر الصرف الذى يسهم فى دراسات التكلفة والعائد.
– سرعة تخلص القطاع العائلى من الدولارات الموجودة خارج القطاع المصرفي.
– انتظام حركة الاستيراد للسلع والخامات الصناعية مما يزيد حركة الإنتاج والتصدير.
– انتظام حركة استيراد السلع الغذائية والأعلاف مما ينعكس على الأسواق والأسعار للمستهلك النهائي.
– عودة ثقة المؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصرى بعد تحرير سعر الصرف والسيطرة على التضخم.
سيكون هناك أسبوع على الأكثر من الارتباك يعقبه استقرار تام مع تحقيق النتائج السابقة.
وهنا أتوقع ان تقوم الدولة وكافة أجهزتها بمواجهة الآثار التضخمية المتوقعة على الأجل القصير وقد بدأها البنك المركزى برفع سعر الفائدة بنسبة 6٪ مرة واحدة ليصل سعر الفائدة فى البنوك إلى أعلى مستوى متوقع وذلك بهدف امتصاص الفجوات التضخمية وسحب السيولة من الأسواق والأفراد للتحكم فى جانب الطلب ومنع الدولرة وضبط معدلات الاستهلاك، بيد أن القرار كان منتظراً ومتوقعاً وجاء فى أوانه تماماً.