العودة إلى الأوراق القديمة.. تكشف أحياناً مفاجآت مذهلة.. من يتصور أن المفكر الاستراتيجى الأمريكى الكبير.. زيجنيو بريجينسكى قد تنبأ فى عام 2012 بسيناريو الحرب والصراع الراهن فى الشرق الأوسط.. بكل ما فيه ومن فيه.. الأطراف.. والمعارك.. واحتمالات التصعيد العسكري.
فهل هذه مجرد نبوءة.. أم أنها سيناريوهات سابقة التجهيز.. تم إعدادها لمواجهة مختلف احتمالات المخاطر والتحديات فى هذا القرن؟!
يقول بريجينسكى فى كتابه «رؤية استراتيجية» إن قدرة أمريكا على السيطرة والهيمنة على النظام العالمى سوف تتراجع بحلول عام 2025.. وتوقع بريجينسكى منذ 2012 أن يؤدى صعود قوى عالمية كبرى فى الصين وروسيا.. والهند والبرازيل إلى عملية إعادة توزيع للقوة والنفوذ على مسرح السياسة العالمية.
وبصفة عامة هناك تراجع فى قوة وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأوروبى فى حلف الناتو.. مقابل صعود الشرق فى الصين والهند وروسيا. فقد تراجعت جاذبية أمريكا العالمية.. وبدأت تظهر على القوة العظمى الأمريكية أعراض التراجع والانهيار.. داخلياً وخارجياً.. ويبقى سؤال للتاريخ: كيف بددت أمريكا الفرصة العالمية الفريدة للهيمنة الأمريكية بعد النهاية السلمية للحرب الباردة فى 1991.. بسقوط الاتحاد السوفيتى السابق؟!
وقد حذر المؤرخ والمفكر الاستراتيجى الأمريكى بول كيندى من أية محاولة للتنبؤ بما هو قادم من أحداث عالمية فى المستقبل.. لكن بريجينسكى رسم صورة كاملة وواضحة للحرب والتصعيد العسكرى القائم حالياً فى الشرق الأوسط بين إسرائيل وكل من حماس وحزب الله وإيران، فهل كان بريجينسكى مجرد قارئ للغيب.. أم أنه كان يتحدث من واقع سيناريوهات ومخططات سابقة التجهيز لاحتمالات الحرب والتصعيد العسكرى فى الشرق الأوسط؟!
يؤكد بريجينسكى أنه بمجرد تراجع القوة العالمية للولايات المتحدة.. سوف تتراجع قدرتها على الهيمنة العالمية.. خصوصاً فى الشرق الأوسط.. وسوف يؤدى ذلك إلى تحولات إقليمية خطيرة جداً تقوض الاستقرار والأمن فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومنذ 2012 قال إنه لو حدث وتراجعت الهيمنة الأمريكية بدون التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطينى – الإسرائيلي.. سوف يؤدى إلى اشتعال الصراع والموقف الإقليمي.. خصوصاً وأن «حل الدولتين».. هو الحل المقبول من الطرفين.
ومن هنا سوف يزداد العداء الإقليمى لإسرائيل ويشتد.. بما يدفع الدول الإقليمية الأقوي.. خصوصاً إسرائيل وإيران إلى الدخول فى صراعات ومخاطر الحرب والتصعيد العسكري.
نبوءة أم سيناريو
وتوقع بريجينسكى أن يتصاعد العنف من جانب حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله والميليشيات التى تدعمها إيران للقيام بهجمات ضد إسرائيل.. مما يؤدى فى النهاية إلى معارك دموية والحرب وسوف تشتعل الانتفاضة الفلسطينية من جديد.. فى القدس والضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي.. ولن يدفع الثمن سوى الكيانات الضعيفة.. مثل لبنان والسلطة الفلسطينية.. وكل منهما سوف يدفع ثمناً باهظاً.. بسقوط أعداد هائلة من القتلى فى الحروب والمعارك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المثير للدهشة أن يتوقع بريجينسكى فى 2012 أن تتصاعد الصراعات إلى مستويات عالية جداً من الخطورة.. بما يؤدى إلى الحرب والمعارك.. وتبادل الضربات والضربات المضادة بين إسرائيل وإيران.. (كما يحدث الآن تماماً)
ويؤكد أن الأحداث يمكن أن تتصاعد بما يدفع أمريكا للتدخل العسكرى المباشر فى الصراع القائم بين إسرائيل وإيران.
ويذكر أن أمريكا قد تضطر فى النهاية إلى توجيه ضربات استراتيجية مؤلمة لإيران.. ويقوم الطيران الأمريكى بتوجيه ضربات مدمرة للمنشآت النووية الإيرانية وسوف تترتب على ذلك نتائج وخيمة على الاقتصاد العالمي.. وفى هذه الأجواء سوف تتقارب العلاقات بين روسيا وإيران وتركيا والصين.
دعم.. بلا مصالح
وفى إطار هذه التحولات العالمية الكبري.. فإن أمن إسرائيل سوف يعتمد بصورة مطلقة على أمريكا ودول حلف الناتو.. وهنا سوف يتعرض بقاء إسرائيل ووجودها لمخاطر هائلة على المدى البعيد.. قد تكون إسرائيل قوية بما يكفى لمواجهة المخاطر المباشرة التى تهدد أمنها ووجودها.. وقد تتمكن حتى من قمع الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة وفى القدس والضفة الغربية.
ويوضح بريجينسكى أن الدعم الأمريكى لإسرائيل ينبع من نوازع أخلاقية أمريكية.. أكثر منها دواعى المصالح الاستراتيجية.. ولا يمكن لإسرائيل الاعتماد على الدعم الأمريكى طويلاً أو كثيراً فى أجواء تراجع الهيمنة الأمريكية.. ومخاطر صعود الصين.. والاتجاه الحتمى لانفصال أمريكا عن الشرق الأوسط.
وفى النهاية.. سوف تتعرض أمريكا للإدانة العالمية.. لأنها أحدثت انقلاباً إقليمياً فى الشرق الأوسط.. لصالح إسرائيل ضد العرب.. وقد توقع إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق أن العالم كله سوف يتهم إسرائيل بالعنصرية.. بكل ما فى ذلك من مخاطر بعيدة المدى تهدد وجود وبقاء إسرائيل.
سنة فاصلة
ويبدو أن 2024 سوف يكون عاماً فاصلاً فى تاريخ العالم.. وفى تاريخ الصراع العالمى على الصراع والهيمنة الدولية.. وهناك ما يشبه الإجماع بين خبراء الاستراتيجية فى واشنطن على أن تراجع الهيمنة الأمريكية.. لا يعنى تلقائياً صعود الصين وانفرادها بالنفوذ والهيمنة العالمية.. فقد يتزايد نفوذ الصين فى آسيا وأفريقيا.. لكن الصين لن تكون القوة الأعظم فى العالم.. ويتوقع بريجينسكى والأمريكى تشارلز كوبتشان أنه بدءاً من عام 2025.. سوف يصبح كوكب الأرض.. أرضاً بلا صاحب.. بدون وجود قوة عالمية قادرة على الانفراد بالنفوذ والسيطرة.. مثل أمريكا بعد الحرب الباردة.
ويقول الخبراء إنه إذا تعرض النظام الأمريكى الداخلى لأزمة سياسية عميقة وعنيفة بعد انتخابات الرئاسة فى نوفمبر القادم.. وبعد عام 2025 ففى هذا التاريخ سوف تحدث سلسلة من ردود الفعل العالمية الكبرى السياسية والاقتصادية.. لأن انهيار الامبراطورية الأمريكية سوف يكون أكبر زلزال جيوسياسى فى تاريخ العالم.. منذ انهيار الامبراطورية الرومانية.
بعد عام 2025 لن تكون هناك قوة عالمية يمكنها أن تملأ فراغ غياب الأمبراطورية الأمريكية.. ولا حتى الصين.. نعم.. بعد 2025 لن يكون العالم صينياً.. لكن هذا العالم سوف يكون مليئاً بالفوضى والعنف والحرب ومعارك التصعيد العسكرى.. خصوصاً فى الشرق الأوسط.
متى وكيف؟!
يأتى كل ذلك فى أجواء عالمية من المخاوف الكبرى من احتمالات ومخاطر ضربة الانتقام الإسرائيلية القادمة لإيران.. أين سوف تتم.. وبأية أسلحة.. وفى أى توقيت مفاجئ.
وتتردد تسريبات فى الصحافة الأمريكية.. حول أهداف الضربة الانتقامية وتوقيتاتها.. ربما فى إطار الحرب النفسية على إيران.. وبهدف الردع.. لكن هناك أصوات عالمية فى واشنطن تؤكد حالياً على شيء جديد تماماً.. وتقول إن حرب إسرائيل متعددة الجبهات فى الشرق الأوسط.. هى فى الواقع الحرب الأمريكية متعددة الجبهات فى هذا الجزء من العالم.. وسرعان ما حدثت مفاجأة كبرى هزت إسرائيل بلا شك.. حين تعرض منزل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لضربة بطائرة مسيرة أطلقها حزب الله من لبنان.. بما يؤكد أيضاً أن حزب الله يمكنه أيضاً أن يقوم بعمليات لقطع الرؤوس فى إسرائيل.
الأنباء الواردة من إسرائيل تؤكد أن الجيش الإسرائيلى يستعد للقيام بضربة انتقامية مفاجئة لإيران.. لكن حسابات الانتقام فى تل أبيب تضاعفت بعد محاولة استهداف نتنياهو فى منزله.. وبالصدفة لم يكن هناك هو وزوجته.. لأنه يعيش هذه الأيام لدى ملياردير يهودى إسرائيلى معروف.
سيناريوهات الانتقام
لكن من الواضح أن ضربة الانتقام الإسرائيلية المنتظرة لإيران.. بدأت تثير خيالات بعض الجنرالات السابقين فى واشنطن ومنهم جنرال أمريكى سابق يدعى روبرت جيفينز.. يؤكد هذا الجنرال أنه توجد 5 طرق أو 5 سيناريوهات لضربة الانتقام الإسرائيلية لإيران.. وكل سيناريو.. يتحدد حسب الأهداف التى تريدها إسرائيل.
ويقول إن اختيار سيناريو الحرب.. يمكن أن يؤدى فى النهاية إما إلى استمرار الموقف كما هو.. واستمرار الحرب.. أو حتى يمكن أن يؤدى إلى حرب عالمية ثالثة.
فقد أرسلت أمريكا منظومة «تاو» المتطورة المضادة للصواريخ إلى إسرائيل مع حوالى مائة من الجنود والضباط الأمريكيين لتشغيلها.
العين بالعين
ومهما كان الرد الانتقامى الإسرائيلي.. فإن الهدف الذى سوف تختار إسرائيل تدميره.. هو الذى سوف يكشف نوايا إسرائيل الحقيقية.. وما إذا كانت تريد الانتقام فقط.. أو كانت تريد شيئاً أكبر.
يمكننا فعلاً رؤية النوايا الاستراتيجية لإسرائيل من خلال تصنيف خمسة سيناريوهات لأهداف الضربة الإسرائيلية.. على سلم التصعيد العسكري.. والهدف الذى سوف تستهدفه إسرائيل بالتدمير.. سوف يكشف الهدف الاستراتيجى لإسرائيل.
أولاً هناك سيناريو «العين بالعين».. أى الانتقام من إيران بهدف استعادة قدرة إسرائيل العسكرية على ردع إيران.. فقد يمكن لإسرائيل توجيه ضربة رمزية لإيران.. من خلال القيام بضربة واحدة.. لتدمير هدف له أهميته المحددة.. وبذلك تؤكد إسرائيل مدى إصرارها على الانتقام.
هذا النوع من الاستهداف يلقى الضوء على مقدرة إسرائيل على وضع أى مكان فى إيران فى دائرة الخطر.. وأن ترسل إلى طهران رسالة واضحة بذلك.
هكذا يمكن لإسرائيل أن تقوم بضربة محددة لأهداف محددة مثل منشأة بترولية هامة أو سفينة حربية إيرانية أو أحد مواقع الرادار والقيادة السيطرة المهمة.
ومثل هذه الضربة سوف تكون محاولة بسيطة نسبياً.. يمكن للجيش الإسرائيلى أن يستخدم فيها عدداً قليلاً من الأسلحة.. وفى التوقيت الذى يختاره.
مثل هذا الهجوم يمكن أن يكون أقل الضربات تصعيداً.. وتستطيع إسرائيل القيام بهذه الضربات بأسلحة بعيدة المدى من خارج المجال الجودى الإيراني.. ربما بعدد صغير من الطائرات المقاتلة.
حد السكين
هناك السيناريو الثاني.. الذى يمكن لإسرائيل من خلاله أن تقوم بكسر حد السكين.. كما يقولون.. وتقوم باستعراض واضح لقوتها العسكرية.. من خلال القيام بضربات أكبر لإيران.. تشارك فيها أعداد كبيرة من المقاتلات الإسرائيلية وربما الطائرات المسيرة بعيدة المدي.. وهذا يعنى أن إسرائيل قد تقوم بتوجيه العديد من الضربات لإيران على مدى عدة أيام.. وتكون هذه الضربات موجهة لأهداف فى عمق الأراضى الإيرانية.
هذا النوع من الحملة العسكرية الهجومية.. يمكن أن يستهدف الإسرائيليون من خلالها مواقع وقواعد عسكرية إيرانية.. مثل قواعد ومصانع الصواريخ والطائرات المسيرة.. والغواصات الإيرانية والقواعد الجوية.. وربما مراكز المجمع الصناعى العسكرى فى إيران.. ومن المؤكد أن تدمير مثل هذه المواقع يمكن أن يقلص من قدرة إيران على استعراض قوتها فى مواجهة إسرائيل.. ومثل هذه الضربات سوف تمثل تصعيداً عسكرياً أكبر فى الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل.
الضربات المؤلمة
السيناريو الثالث.. يمكن لإسرائيل من خلاله توجيه ضربات مؤلمة لإيران.. فقد يمكن للطيران الإسرائيلى أن يستهدف مؤسسات الدولة فى إيران.. والأهداف الاقتصادية.. بهدف تقليص قدرة إيران على تمويل وتسليح الميلشيات التابعة لها.
تدمير المنشآت الاقتصادية والبترولية.. يمكن أن يقلص الثقة فى القيادة الإيرانية.. بما يؤدى لإحداث اضطرابات داخل المجتمع الإيراني.. بما يجعل إيران تدرك أن تكلفة أى هجوم على إسرائيل عالية ونتائجها وخيمة.. يمكن لإسرائيل فعلاً.. تدمير الموانى الرئيسية وحقول البترول.. ويمكن تدمير منشآت البنية الأساسية من المياه والكهرباء والطرق والمواصلات ووسائل الاتصالات.. وكل ذلك يؤدى إلى نتائج وخيمة فى إيران بعيدة المدي.
ومثل هذا النوع من التصعيد العسكرى الإسرائيلى سوف يمثل فى الواقع إعلان الحرب على إيران.. وسوف تعتمد إسرائيل على سلاح الطيران الإسرائيلى بالكامل.. وعلى ذخائر جى بى يو 28 الأمريكية الذكية المضادة للخنادق العميقة لإحداث أكبر قدر من الخسائر والدمار.
قطع رأس الثعبان
السيناريو الرابع.. هو سيناريو قطع «رأس الثعبان».. أى تدمير كل ما يعتمد عليه النظام فى إيران من السيطرة والتحكم.. ربما كان استهداف المنشآت الاقتصادية خطوة تصعيدية كبري.. تؤدى إلى الحرب الشاملة.. لكن يمكن لإسرائيل أن تستهدف الأهداف التى تؤدى إلى تقويض استقرار إيران من الداخل.. أو ربما إزالة النظام الإيرانى نهائياً.. وقد هدد نتنياهو فعلاً بتوجيه ضربات تستهدف النظام الإيرانى ذاته مثل اغتيال قيادات إيرانية عليا.. كما تم اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله.. من هنا قد تستهدف غارات الطائرات الإسرائيلية المقر الرئيسى للقيادة الإيرانية والبنية الأساسية لوسائل الإعلام التابعة للدولة.. ومواقع الحكومة ومؤسساتها.. ومواقع ومعسكرات الحرس الثورى الإيراني.
الأهم هو استهداف الحرس الثورى لأنه من أدوات السيطرة على الأوضاع الأمنية داخل إيران.. وبالتحديد السيطرة على السكان.. ويمكن أن يتم استهداف شخصيات قيادية محددة بهدف إنهاء وربما إسقاط النظام.. هذه النوعية من الضربات يمكن أن تمثل خطراً على وجود القيادة الإيرانية الحالية، وسوف تكون إسرائيل بحاجة لوسائل استطلاع وتجسس عالية لرصد تحركات قادة وزعماء إيران.. ويمكن أن تقوم بهذه المهمة مجموعات كبيرة من أسراب الطائرات الهجومية الإسرائيلية بعيدة المدي.
المنشآت النووية
السيناريو الخامس.. هو استهداف المنشآت النووية الإيرانية.. وهى الهدف الرئيسى الذى تريد إسرائيل تدميره بأية صورة.. وبأسرع ما يمكن.. وتريد إسرائيل من وراء ذلك إزالة وتدمير كل قدرات إيران النووية ومنعها من إنتاج الأسلحة النووية.. ورغم أن مثل هذه الضربة يمكن أن تحدث ضجة عالمية واسعة.. لكنها سوف تكون محدودة التأثير.. وسوف يكون تأثيرها محدوداً فى مسارات الحرب حالياً. لكن الضربة سوف تؤدى إلى تمسك إيران بضرورة إنتاج وتطوير السلاح النووى بأى شكل وبأسرع ما يمكن.. بالطبع إسرائيل ترى فى البرنامج الإيرانى ما يهدد وجودها.
كل هذه السيناريوهات سوف تحدد بوضوح أهداف ونوايا إسرائيل فى المواجهة المفتوحة مع إيران.. على المدى البعيد تدمير قدرات إيران النووية من شأنه أن يجعل إسرائيل تنفرد بأنها الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تملك الأسلحة النووية.. وهنا يأتى دور القنابل الأمريكية الذكية المضادة للخنادق العميقة.
فى النهاية سوف تكون أية ضربة إسرائيلية لإيران هى البداية الحقيقية للصراع الإقليمى الواسع بين طهران وتل أبيب.. ولذلك يعيش العالم اليوم فى حالة من الترقب والخوف والانتظار المؤلم حقاً.. هل يمكن أن يؤدى التصعيد العسكرى مع إيران إلى إشعال حرب عالمية ثالثة؟!
وهنا يفرض سؤال كبير نفسه: هل الحرب الشاملة فى الشرق الأوسط مشتعلة فعلاً؟!.. وهى حدود التصعيد العسكرى الشامل بين إسرائيل وإيران؟!
التفوق الجوى الإسرائيلي
فى المقابل نجد أن إسرائيل تتفوق على إيران فى القوة الجوية والمقاتلات ويمكنها توجيه ضربات دقيقة لإيران لكن إسرائيل لا تملك القوة اللازمة لغزو دولة مثل إيران.. مساحتها أكبر من مساحة إسرائيل ثمانين مرة.
ولا توجد حدود مشتركة بين إيران وإسرائيل.. بل إن المسافة الفاصلة بينهما تزيد على ألفى كيلومتر.. تتواجد فيها دول أخرى هى سوريا والأردن والعراق والسعودية والكويت.. ولذلك لا يمكن لإيران أو إسرائيل القيام بعمليات غزو برية أو بحرية.. وكل ذلك يثير الشكوك فى إمكانية اشتعال الحرب الشاملة اللامحدودة.. فقد تتصاعد عمليات تبادل الضربات الانتقامية.. لكن الحروب البرية واسعة النطاق بينهما ليس لها مجال أو وجود.
قوات محمولة جواً
ويتكون الجيش الإسرائيلى من 12 فرقة عسكرية فقط.. وهى قوة لا تكفى لغزو دولة كبرى مثل إيران.. قد تقوم إسرائيل بعمليات خاصة اعتماداً على قواتها المحمولة جواً.. لكنها ضربات خاطفة ومحدودة.. وضد أهداف محددة.. إسرائيل لا يمكنها احتلال أراضى إيرانية.. كما أن الأسطول البحرى الإسرائيلى صغير ولا يمكن أن يهدد شواطئ إيران الواسعة بالغزو والاحتلال.
إسرائيل لا يمكنها حشد أية قوات فى البحر لأكثر من ساعات معدودة، ولذلك فإن كل ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو تدمير أحد الأهداف البحرية الإيرانية ذات القيمة الحيوية أو الاقتصادية.
وحتى البحرية الإيرانية.. يمكن أن تواجه عقبات كبرى إذا حاولت القيام بأية عمليات للإبرار البحرى على شواطئ تل أبيب أو مدن إسرائيل الساحلية.. بل إن قوات إيران البرية هى أضعف ما فى الجيش الإيراني، لكن إسرائيل خططت منذ عشرين عاماً لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.
الردع الأمريكي
ومنذ أيام حدثت مفاجأة كبري.. حين قامت مجموعة من القاذفات الاستراتيجية الأمريكية طراز بى – 2 الخفية.. بقصف مواقع وحصون وصواريخ ومسيرات الميلشيات الحوثية فى اليمن.. بالتحديد عند تلال وجبال صنعاء وصعدة.. واستخدمت فى هذا القصف العنيف قنابل «مواب» أو جى بى يو 58 لأول مرة منذ غزو العراق فى 2003.. وهى القنابل المعروفة باسم أم القنابل، فى رسالة ردع واضحة لا تخفى على أحد.. موجهة لإيران.
وفيما يبدأ العد التنازلى لضربة الانتقام الإسرائيلية المنتظرة لإيران.. ربما خلال الساعات والأيام القادمة.. يبقى السؤال: هل تضطر أمريكا للتدخل فى الحرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران.. كما توقع بريجينسكى منذ عام 2012.. فى ما يشبه النبوءة أو الخطة المعبأة وجاهزة مسبقاً.. لكن 2024 سوف يكون حاسماً فى معارك الصراع والحرب فى الشرق الأوسط.. فى توقيت تدافع فيه أمريكا عن النظام الدولى الذى تقوده حتى اللحظة الأخيرة.. حين يتراجع نفوذها.. ويصبح كوكب الأرض.. أرضاً بلا صاحب.. بدون قوة سيطرة وهيمنة كبري.. عالم تسوده الفوضى ومعارك الحرب والقتال فى كل مكان.. لن يكون العالم صينياً.. لكن متعدد الأقطاب.