لقد أثارت تلك العمليات الأخيرة فى حرب «الإبادة الجماعية» والتدمير للأرض بما عليها بحيث تم تحويلها إلى أكبر «مقبرة جماعية» فى التاريخ ناهيك عن ذلك التدمير الرهيب للبنية التحتية التى تحتاج ما يتراوح بين 90-80 عاماً وفقاً للتقديرات وهو ما يتطلب إعادة النظر فى هذه القضية .. لقد دفعت تلك الطبيعة الاستعمارية للكيان الصهيونى الباحث «أندرياس مالم» إلى إعادة النظر والتأمل الذى يتطلب وضع حد لتلك القوة التدميرية الإستعمارية الإستيطانية (إسرائيل) وإثارة التساؤل حول تلك السيطرة غير المحدودة المدفوعة بجنون العودة إلى الجريمة ..وإستطرد «مالم» قائلاً أن تلك «الإبادة الجماعية» التى إرتكبتها إسرائيل فى غزة وتدمير فلسطين لابد من مناقشتها فى إطار السياق التاريخى للإستعمار الإستيطانى المرتبط بالوقود الأحفورى ( الفحم والنفط والغاز الطبيعي) الذى أدى إلى تدمير كوكب الأرض .. من خلال هذه الرؤية الجديدة يحاول «مالم» أن يربط بين ما حدث فى فلسطين من تدمير على إعتبار إنها نموذج مصغر لتلك العملية الأكبر وهى تدمير كوكب الأرض بفعل تداعيات «التغير المناخي» .. ويرى «مالم» أن نقطة البداية فى هذه العملية تعود إلى عام 1840 مع بداية نشر «الإمبرطورية البريطانية» السفن البخارية لتعزيز مصالحها الإستعمارية فى الشرق الأوسط وتحديداً فى لبنان وفلسطين وحجم الدمار الهائل الذى ألحقه «ببيروت» و«عكا» من أجل تأمين التجارة الحرة فى الشرق الأوسط لصالح الإمبرطورية البريطانية .. ومن وجهة نظر «مالم» أن إحتلال القوات البريطانية لغزة لفترة وجيزة أدى إلى تدمير مواردها الغذائية وتدمير صناعة القطن فى الشرق الأوسط .. فى نفس الفترة إقترح البريطانيون إحتلال فلسطين من جانب «اليهود» لاسيما فى ذلك الوقت الذى إكتسبت فيه الصهيونية المسيحية زخماً سياسياً كبيراً بالفعل .. .
وبعد فترة أصبحت الولايات المتحدة الفاعل الرئيسى والوريث الشرعى بعد إنتهاء «الانتداب البريطاني» وقد حرصت على الاستفادة من وجود «إسرائيل» فى المنطقة من خلال ما يعرف بخطة «داليت» .. ولم تكن هذه الخطة سوى مجرد مخطط صهيونى للتطهير العرقى للشعب الفلسطينى والسيناريو الذى يؤدى إلى تدمير فلسطين فى إطار تلك الرؤية الشاملة للسيطرة على المنطقة للوصول إلى الموارد الطبيعية .. ويقدم «مالم» الدليل على ذلك من خلال»الإبادة الجماعية» فى غزة والتى تطرح نهجاً جديداً لفهم الدور الذى تلعبه الإمبريالية فى الحفاظ على المشروع الاستعمارى الصهيونى إلا أن ذلك النهج قد يتم تجاهله بسبب التركيز المباشر على استنزاف الأراضى الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطينى ..وقد اختتم «مالم» دراسته بتلك العبارة التى لم يتوانى الرئيس «بايدن» عن ترديدها والتأكيد عليها مراراً وتكراراً فى العديد من المناسبات وهى أن إسرائيل تعد أفضل استثمار قامت الولايات المتحدة به على الإطلاق فى الشرق الأوسط.