تسابق إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، الزمن من أجل تهدئة أجواء الحرب المشتعلة فى غزة ولبنان، وذلك قبل أسبوع من الانتخابات الأمريكية.
وفيما يبدو أنها خطة اللحظة الأخيرة، أرسلت واشنطن وفد رفيع المستوى إلى إسرائيل فى مسعى لكسر الجمود الذى يعترى محادثات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن لدى حركة حماس، فضلاً عن بحث عدد من القضايا العسكرية فى أعقاب الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران.
وضم وفد الأمن القومى الأمريكى مستشارى البيت الأبيض بريت ماكجورك، وآموس هوششتاين، بالإضافة إلى الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، وذلك بالتزامن مع زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، إلى القاهرة.
وتأتى هذه الزيارة فى أعقاب تصعيد إدارة بايدن لهجة الخطاب مع دولة الاحتلال وانتقادها للمجزرة الإسرائيلية الأخيرة التى وقعت فى بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وتحذيراتها بشأن التشريع الإسرائيلى الذى يحظر عمل وكالة الأونروا.
ورغم أن الزيارة تبدو وثيقة الصلة بالانتخابات الأمريكية، حيث يسعى بايدن من خلالها إلى تحقيق أى إنجاز ملموس فى سياسته الخارجية يختتم به مسيرته التى اتسمت بالعجز المطلق أمام الغطرسة والإجرام الإسرائيلي، وأملاً فى اجتذاب أصوات الأمريكيين المسلمين والعرب إلى صف نائبته الديمقراطية كامالا هاريس، نفى البيت الأبيض أى علاقة للزيارة بالانتخابات، وقال مسئول أمريكي، إنها تركز على تعزيز التزام واشنطن الراسخ بأمن إسرائيل والتحذير من أى هجمات عسكرية مباشرة أخرى من جانب إيران ضد إسرائيل.
ومع ذلك، وفى ظل التأثير المتبادل للحرب الإسرائيلية على الانتخابات الأمريكية، تشير عددا من التحليلات إلى أن واشنطن قد تتخذ نهجًا مختلفًا تمامًا تجاه المنطقة حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وبحسب ما ذكرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فقد أبلغ ترامب نتنياهو رغبته فى إنهاء إسرائيل للحرب حال فوزه بالرئاسة. وبالتزامن أظهرت استطلاعات الرأى أن الإسرائيليين يفضلون ترامب على هاريس.
تتركز أهداف إدارة بايدن فى استعادة دور الجيش اللبنانى جنوب لبنان وإبعاد «حزب الله» عن الحدود مع إسرائيل، مثلما تأمل فى الإفراج عن نحو 100 إسرائيلى ما زالوا محتجزين لدى «حماس»، واتخاذ الترتيبات اللازمة لإعادة بناء غزة، وإدارتها على نحو يستبعد «حماس» من المشهد كلياً.
ورغم صعوبة الأوضاع على الأرض، إلا أن طموحات الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال تبدو ولو فى الوقت الراهن بعيدة المنال. فلم تتحقق بعد أهدافهما المعلنة فى قطاع غزة باستئصال شأفة حماس رغم المجازر اليومية والتدمير الشامل لكافة مقومات الحياة، واغتيال غالبية قيادات الصف الأول فى الحركة. وبالمثل لا يزال حزب الله يُكبد قوات الاحتلال خسائر يومية فى العتاد والجنود، بل ويوسع ضرباته داخل إسرائيل.
وبالتبعية فمن غير المرجح تحقيق تقدم فى محادثات وقف إطلاق النار خلال الأيام المقبلة، مع اقتراب الانتخابات، وعدم رغبة كافة الأطراف فى تقديم تنازلات. وبحسب مصادر أمريكية مطلعة فإن نتنياهو ينتظر شأن جميع الأطراف معرفة نتائج الانتخابات قبل الدخول فى أى مسار دبلوماسي، بينما رفضت حماس مقترحات الهدنة المؤقتة فى غزة، وتمسكت بإنهاء القتال بشكل دائم.
وبعد اجتماعه مع الوفد الأمريكي، أصدر مكتب نتنياهو بياناً ركز على الصراع مع حزب الله، مؤكداً أن القضية الأساسية لا تتعلق بالاتفاق بحد ذاته وإنما بقدرة إسرائيل على إنفاذه والحيلولة دون أى تهديد لأمنها من جانب لبنان، وبما يضمن تمكين الإسرائيليين من العودة إلى المجتمعات التى تم إجلاؤهم منها فى شمال إسرائيل، ولم يتضمن البيان أى إشارة إلى غزة. وهو ما يعنى أن الحرب فى غزة ستظل حاضرة بقوة على ساحة السباق الرئاسى حتى فى أيامه الأخيرة.
تتضمن الهدنة المؤقتة التى اقترحتها الولايات المتحدة بين إسرائيل ولبنان بندا يسمح بموجبه لإسرائيل بضرب لبنان ردا على تهديدات فورية، وهو ما يعنى الانتقاص من سيادة لبنان.
كما ينص الاتفاق أيضا على أن تسحب إسرائيل قواتها من لبنان فى غضون أسبوع، وبعد ذلك سيتم نشر القوات المسلحة اللبنانية فى جنوب البلاد للمساعدة فى تفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله. وبالطبع قوبلت هذه الخطة بالرفض من جانب حزب الله والحكومة اللبنانية. و أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، إن توسيع إسرائيل نطاق عدوانها على لبنان يؤكد رفضها كل مساعى وقف إطلاق النار.
الواقع أن دبلوماسية بايدن دفنت منذ فترة طويلة على أنقاض القصف الهمجى الإسرائيلى لقطاع غزة بالقنابل والصوراريخ والطائرات الأمريكية. وعلى مدار عمر الحرب التى تجاوزت العام والجولات الدبلوسية المكثفة لكبار المسئولين الأمريكيين، كان الهدف الأسمى لدبلوماسية إدارة بايدن هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار من أجل إطلاق سراح الرهائن فى غزة دونما أى ذكر للشهداء الذين أبيدوا بدم بادر وتحت سمع وبصر العالم.
وهكذا وفرت إدارة بايدن كافة صور الدعم والحماية الدولية للمتعظرس نتنياهو ليواصل حربه المشؤومة فى غزة ومنها إلى لبنان، بحيث انتقلت الولايات المتحدة إلى مرتبة الشريك المتواطؤ فى الحرب.
لقد تشربت السياسة الأمريكية من عقيدة بايدن وهو المؤيد المتعصب لإسرائيل الذى يؤمن بأن دعمها مسئولية وأصل راسخ لا يتزعزع، فضلا عن العلاقة الوطيدة التى تجمعه برئيس وزراء الاحتلال، وهكذا مضت الإدارة الأمريكية فى توفير كافة متطلبات إسرائيل، لخوض حربها المفتوحة التى تفتقد إلى أية أهداف واقعية لتتحول واشنطن إلى مجرد عربة يجرها حصان إسرائيلي.