لا تزال أصداء فيديو طبيية كفر الدوار مستمرة خاصة أن البعض ممن لهم علاقة بمهنة الطب حاولوا تقليدها بهدف إلقاء مزيد من الوقود على النار المشتعلة والحصول على جزء من تورتة الشهرة. بعدما هدأت نيران فيديو طبيبة كفر الدوار ناقشت «الجمهورية»: مع نقيب الأطباء الإجراءات التى سيتم اتخاذها.. والذى أبدى أسفه لما جرى رافضاً التجاوز فى حقوق الجيش الأبيض الذى يحمى الأمن المجتمعي.. كما ناقشنا مع علماء الدين قيمة السر فى الأعمال المهنية.. واستطلعنا رأى خبراء علم النفس والاجتماع الذين أكدوا أن طبيبة كفر الدوار مصابة بحالة «هوس الشهرة».
قال د.أسامة عبدالحى نقيب الأطباء إن مجلس نقابة الأطباء قرر إحالة الطبيبة إلى لجنة التحقيقات بالنقابة فور حدوث الواقعة وإحالتها إلى لجنة آداب المهنة، وتم إصدار بيان بموقف النقابة.
استنكر نقيب الأطباء أى أفعال فردية من شأنها الإساءة للمريض والمهنة، مؤكداً دراسة النقابة تنظيم الظهور الإعلامى لأعضائها، ووضع قواعد وضوابط للتعامل مع التواصل الاجتماعى ومنصات السوشيال ميديا، خاصة فى عمليات البث المباشر، موضحاً أنه لا يمكن للنقابة منع أعضائها من الظهور على السوشيال ميديا، لكنها تدرس عملية التنظيم بما لا يسبب الضرر للمجتمع، مبيناً أن قواعد الظهور الإعلامى فى الفضائيات والتواصل الاجتماعى ستكون ملزمة لجميع الأعضاء
أشار د.رءوف رشدى أستاذ النساء والتوليد استشارى الصحة الإنجابية والعقم أن القسم الطبى يعكس تقاليد وقيم مهنة الطب، ويرتكز بشكل رئيسى على قَسم أبقراط الذى يعود إلى أكثر من 2000 عام، حينما دعا الأطباء إلى الالتزام بميثاق أخلاقى يحمى حقوق المريض، ومع تطور المجتمع والطب خضع هذا القسم لتحولات متعددة لضمان التفاعل مع المتغيرات الحديثة، وكان من أهم هذه التحولات بيان جنيف لعام 1948 الصادر عن منظمة الصحة العالمية، والذى وضع أسسًا جديدة للممارسات الأخلاقية الطبية بعد الحرب العالمية الثانية.
أضاف أن نقابة الأطباء حريصة على القيام بواجبها تجاه المجتمع وتجاه أعضائها من خلال إقرار الحقوق التبادلية بما يسهم فى تحقيق الاستقرار المجتمعى من خلال المحافظة على الصحة العامة التى تمثل أحد أضلاع التنمية والاستقرار، رافضا تعميم بعض الأخطاء الفردية على مجموع الأطباء الذين يقفون فى الصفوف الأولى أوقات الأزمات مدافعين عن أمن وسلامة الوطن، مشيراً إلى أننا نرفض الخطأ بصورة قاطعة لكننا فى ذات الوقت نرفض المساس بقدسية مهنة الطب ونرفض محاولات تشويه الأطباء.
أشار د.خالد أمين أستاذ النساء والتوليد والأمين العام المساعد لنقابة الأطباء أن فحوصات وكشف العذرية ليست من مهام طبيب النساء والتوليد وهى ليست ممارسة طبية من الأساس، وإذا قام الطبيب بعمل كشوف عذرية بالمستشفى أو العيادة فإنه يمارس جريمة إنسانية وقانونية وطبية، لأن الجهة الوحيدة المنوطة بذلك مصلحة الطب الشرعى وتتم فى إطار قانوني، مشيرًا إلى أن الطبيبة التى انتشر لها فيديو عن حالات مرضى أحاديثها مفبركة من وحى خيالها فلا يصح لطبيب التصريح بتفاصيل حالة مرضاه.
مبينا أنها بمجرد الإفصاح عن حالة المريض ترتكب جريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها انتهاك حرمة المريض.
حينما ناقشنا علماء الشريعة فى واقعة كشف أسرار المرضى أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن هناك وظائف ينبغى أن يدرس الباحث فيها مكوناً تعليمياً عن « أخلاقيات المهنة» ففى المجال الطبى أخلاقيات المهنة الطبية تستدعى الخصوصية فى الحفاظ على أسرار المرضى وعدم إفشائها بأى حال من الأحوال، وتلك القيمة الأخلاقية بجب على كل مواطن أن يتأدب بها فى عدم إفشاء الأسرار حفاظاً على الأمن المجتمعي، وبطبيعة الحال ما أقدمت عليه الطبيبة من الناحية الدينية محرم ومجرم، وقد نهى الله «عز وجل» عن فضح الناس ونصحنا النبى «صلى الله عليه وسلم»، بأن من ستر مسلما ستره الله «عز وجل»، محذراً من منصات التواصل الاجتماعى الدردشة وما فى حكمها فيما يتعلق بالاعراض العامة والخاصة. .أما علماء الاجتماع فقد أكدوا ان تلك التصرفات الفردية تعكس هوس الشهرة حيث أوضح د.وليد هندى استشارى الصحة النفسية أن تعمد طبيبة كفر الدوار نشر فيديوهات على سبيل التوعية الزائفة يدخل ضمن دائرة هوس الشهرة دون نظر لإفشاء أسرار المرضى وستر المريض، وهذا ما يتبين من أسلوب الإلقاء ونبرة الصوت، واستخدام الألفاظ، وكل هذا لا يرتقى للمهنة ورسالتها، وإنما تحركه رغبة فى تحقيق الترند والاستعراض على السوشيال ميديا وكسب مزيد من التعليقات والمشاهدة باستخدام الحيل النفسية القائمة على الخداع وتزييف الحقيقة.
أشار هندى إلى أن طبيبة كفر الدوار تدخل ضمن نمط الشخصية الهيستيرية التى تحاول جذب انتباه الآخرين وحب الظهور ونشر الأخبار المثيرة، وهى تعتبر شخصية استعراضية تتسم بالقابلية للمبالغة والكذب، ولديها ضحالة مشاعر وتتلون حسب المواقف، وتفتقد الاتزان العاطفى والأمن النفسى والاستقرار الأسري، كما أنها تدخل فى تصنيف الشخصية المصابة بجنون العظمة «بارانويا» حيث تريد أن تكون حديث الساعة وإن تنازلت عن مبادئها وميثاق شرف مهنتها لإشباع رغبات الشهرة، مبيناً أن الدعم الإعلامى للترندات جعل الكثير يتهافت عليها دون النظر إلى العواقب من وراء انتشار هذه الفيديوهات، منوهاً أن فتنة الترند نائمة لعن الله من أيقظها.
أوضح استشارى الطب النفسى أن مهنة الطب ليست وظيفة وإنما رسالة ويجب أن يتمتع الطبيب بسمات شخصية ونفسية ووجدانية لأنه صاحب رسالة، فيجب على من يمتهن مثل هذه المهنة التمتع بمكارم الأخلاق والسلوك الحسن ولديه ثبات انفعالي، ولديه من الرجاحة الفكرية والعقلية التى تجعله احتواء المواقف الصعبة والحالات المفاجئة، والتعامل بإنسانية مع المرضى يحافظ على أسرارهم ويتقبل المريض مهما كان مع المحافظة على سره وستره، مطالباً بإجراء كشف دورى مستمر على الأطباء من قبل نقابة الأطباء، على أن يشمل تحليل المخدرات والكشف على قواهم العقلية حتى لا يصاب بهوس الشهرة ويخرج للميديا ويفضح مرضاه والمشاكل التى تعتريهم مع الرقابة على تعاملهم مع السوشيال ميديا.
فيما يرى د.جمال فرويز ـ استشارى الطب النفسى أن ما لجأت له طبيبة النساء كنوع من لفت الانتباه بادعاء الظهور على السوشيال ميديا لإعطاء العبرة والعظة، فمن المفترض أن يكون بإعطاء أمثلة عامة دون ذكر أشخاص بعينهم وذكر تفاصيل وقائع تشير لحالات خاصة جداً وهذا ما فعلته طبيبة كفر الدوار التى قامت بإفشاء سر مريضة وهى من مجتمع قروي، الكل يعلم بعضه جيداً، وربما يكون ذلك بقصد أو بدون لكن فى النهاية حدثت مشكلة، فكان يجب عليها عدم ذكر أية تفاصيل، بنقل الخبرة العملية لها من باب التوعية دون ذكر واقعة، مشيرًا إلى أن انتشار هذه الفيديوهات يسيء للمجتمع بأكمله وخاصة للسيدات المصريات، مشدداً إلى أن الستر والكتمان واجب مهني، وأن يعالج الطبيب الإنسان دون نظر لدينه وعمره وسنه وجنسه ودون إفشاء سره إلا فى حالة إيذائه لذاته أو للأخرين، فالأسرار يجب أن تدفن مع الطبيب، ومن يفعل خلاف ذلك تتدخل النيابة العامة لمحاسبتهم على ما ارتكبوه ضد المجتمع والإساءة له.
بينما كشفت د.سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الكسب السريع من وراء الترند هو الدافع الذى جعل الكثيرين يدهسون الأخلاق والقيم المجتمعية النبيلة، مؤكدة أن المحاسبة القانونية ستكون رادعة لأمثال هؤلاء.