من رحم « النكبة الكبرى « خرجت كل النكبات التالية والمتتالية والتى نعيش الآن إحدى أسوأ تلك النكبات عبر تاريخ الصراع العربى – الاسرائيلي، اليوم نقف على أعتاب نكبة جديدة قد تكون – حال وقوعها – السطر الأخير فى الحكاية الفلسطينية المؤلمة، لكن وحتى لا استسلم امام مفردات الواقع الأليم لابد وان أنعش ذاكرتى و ذاكرة الأمة بأن ما يجرى التخطيط له الآن من تهجير وتصفية ليس جديدا علينا ولا على الفلسطينيين، فمحاولات التهجير لم تتوقف منذ 1947 وحتى الآن، لكن علينا أن نعلم ان احلام الصهاينة لا تسقط بالتقادم، وعلينا أن ندرك أنهم انتهازيون ونهُازون للفرص، ويرى هؤلاء ان فرصة تحقيق أحلامهم فى دفن الحق الفلسطينى دون غُسل هى الأكبر فى التاريخ، فلا يوجد مناخ سياسى فى صالح اسرائيل افضل من الآن، فالعالم العربى مأزوم حيث خرجت اكثر من ثمانى دول من خطوط الجغرافيا ووقعت فى براثن الحروب الاهلية والطائفية التى كانت اسرائيل ووكلاؤها هم رعاتها ومهندسوها، كما ان العالم يعيش فى حالة غير مسبوقة من الفوضى التى تسبق دوما الحروب الكبري، وتستمر الولايات المتحدة وحدها دون شريك فى ادارة شئون الكوكب ودعم مطلق لإسرائيل، هذه الظروف تمثل وقتا مثاليا خاصة بعد القضاء على الأذرع الإيرانية فى المنطقة وإضعاف ايران بشكل غير مسبوق، لذلك رفعت اسرائيل سقف طموحاتها العدوانية إلى حد المطالبة بإلغاء كلمة فلسطين والفلسطينيين والحق الفلسطيني، لكن التاريخ سيقف فى صف الذين يتمسكون بحقوقهم، وهنا أيضا اسجل موقف مصر الثابت الراسخ فى رفض التهجير تحت اى ظرف فهو تطهير عرقى وظلم تاريخى لا تقبله مصر تحت كل الظروف.
لكن البعض حاول ان يجد مخرجا لتسويق عمليات التهجير وإبطال فكرة التطهير العرقى ثم تبريره فقال بينى موريس أن هناك تطهيرًا عرقيًّا حدث خلال تهجير الفلسطينيين، وأن «هناك ظروفًا فى التاريخ تُبَرِّر القيام بالتطهير العرقي… فعندما يكون الخيار منحصرًا بين التطهير العرقى أو الإبادة الجماعية لجميع أبناء شعبك، فأنا أُفَضِّل التطهير العرقي.»
كما أظهرت المذكرات الاسرائيلية أن بن- جوريون فى 1949م وَجَّه الإسرائيليين لدفع الفلسطينيين المهجرين من اللد والرملة نحو الأردن، وذلك ردًّا على محاولات عودتهم إلى مُدُنِهِم، حيث قال: «يجب علينا أن ‹نضايقهم› بلا رحمة… كما أننا يجب أن نضايق ونحفز اللاجئين فى الجنوب (جنوب فلسطين) أيضًا كى يتحركوا نحو الشرق (نحو الأردن)، ذلك لأنهم لن يذهبوا إلى البحر، وكذلك لن يتوجهوا إلى مصر لأن مصر لن تسمح لهم بالدخول.»، وابتداء من 15 مايو 1948م، أصبح تهجير الفلسطينيين ممارسة مُنْتَظَمَة تقوم بها القوات الصّهيونية ويَشْرَح أورى أفنيرى الفلسفة الصهيونية وراء ذلك قائلًا:
أنا اعتقد انه خلال هذه المرحلة اصبح إخلاء المدنيين العرب هدفا لبن جوريون لقد كان من الممكن جدًّا تَجَاهُل رأى الأمم المتحدة. وبَدَا أن السلام مع العرب خارج الحسبان، ذلك عند النَّظَر إلى الطبيعة الخطيرة للدعاية العربية. فى هذه الحالة، كان من السهل على الناس من أمثال بن- جوريون أن يعتقدوا بأن احتلال المناطق الفلسطينية غير المأهولة التى تم إخلاء سكانها كان ضروريًّا لأسباب أمنية ومرغوبًا به لتحقيق التَّجَانُس فى الدولة العِبْرِيَّة الجديدة.
لقد كانت الفكرة الصهيونية ومنذ البداية تقوم على أساس أنهم ذاهبون لارض بلا شعب فى اكبر خدعة شهدها التاريخ الحديث وهنا يقول الدكتور المسيرى «الصهيونية فى جوهرها هى حركة لتخليص أوروبا من الفائض البشرى اليهودى (Jewish surplus ) عن طريق نقله من أوروبا وتوطينه فى أية منطقة خارجها، وقد استقر الرأى على أن تكون فلسطين هى هذه المنطقة نظراً لأهميتها الإستراتيجية، وارتباطها فى الوجدان الغربى باليهود.
وحتى يتم تجنيد الجماهير اليهودية وتسهيل عملية نقلهم، خدعهم الغرب بقوله إنهم سيذهبون إلى أرض بلا شعب، وإنه إن وُجد فيها شعب سيكون من السهل إبادته أو نقله أو استعباده كما حدث فى التجارب الاستيطانية الإحلالية الأخرى « التاريخ لا يعيد نفسه من تلقاء نفسه وإنما نحن من نصنع مفردات التاريخ.