أكد خبراء الاقتصاد أن القفزة الكبيرة في تحويلات المصريين بالخارج والتي وصلت إلى 32.6 مليار دولار خلال 11 شهرا، مؤشرًا قويًا على نجاح الدولة في تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي، مؤكدين أن وصول التحويلات إلى مستويات غير مسبوقة يعكس استعادة الثقة في الاقتصاد المصري والجهاز المصرفي.
وأشار الخبراء إلى أن هذه الزيادة تعود بشكل رئيسي إلى السياسات الجريئة التي تبنتها الدولة وعلى رأسها تحرير سعر الصرف، الذي ساهم في القضاء بشكل كبير على السوق الموازية، وجعل التعامل من خلال القنوات الرسمية أكثر جذبًا للمصريين في الخارج.
كما أكدوا أن الدولة نجحت في تهيئة بيئة استثمارية ومصرفية مواتية، خاصة من خلال طرح أدوات ادخارية بعوائد مجزية، وتوسيع الاعتماد على التكنولوجيا المالية ما سهّل عملية التحويلات وفتح الباب أمام المزيد من التدفقات من العملة الأجنبية دون أعباء على الاقتصاد.

قال الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي، إن وصول تحويلات المصريين في الخارج إلى نحو 32.6 مليار دولار خلال 11 شهر فقط في الفترة من مارس 2024 وحتى فبراير 2025، يُعد إنجازًا اقتصاديًا مهمًا، ويعكس ثقة المصريين بالخارج في الاقتصاد الوطني والمنظومة المصرفية الرسمية.
وأوضح أن هذا الرقم يُترجم إلى قفزة كبيرة في حجم التحويلات، ويُظهر نجاح الدولة في القضاء على السوق الموازية والسوداء التي كانت تستحوذ على جزء كبير من هذه الأموال في السابق، مما كان يحرم الاقتصاد المصري من موارد دولارية حيوية.
وأضاف الإدريسي أن استقرار سعر الصرف ووجود سعر رسمي واضح وموحد عزز من لجوء المصريين في الخارج للقنوات الشرعية، خاصة مع إتاحة أدوات استثمارية متنوعة مثل شهادات الاستثمار وأذون الخزانة، وهو ما شجعهم على ضخ مدخراتهم في السوق المصرية، سواء من خلال الاستثمار المباشر أو غير المباشر.
وأشار إلى أن تطور أدوات الشمول المالي، وخصوصًا تطبيقات التحويل مثل “إنستاباي”، لعب دورًا كبيرًا في تسهيل التحويلات المالية، وفتح آفاقًا جديدة لاستخدام التكنولوجيا المالية، مما ساهم بشكل مباشر في هذا النمو التاريخي.
وأكد أن تحويلات المصريين بالخارج تُعد من أهم مصادر النقد الأجنبي، كونها غير مرتبطة بأعباء ديون أو التزامات خارجية، وبالتالي فإن تحسن هذا المصدر ينعكس على استقرار سعر صرف الجنيه، ويوفر العملة الأجنبية اللازمة لتلبية احتياجات السوق المحلي.
وتوقع أن يشهد هذا الرقم مزيدًا من النمو خلال الفترة المقبلة، مدعومًا بالحوافز التي تطرحها الدولة، مثل طروحات الأراضي ومشروعات الإسكان التي تسمح بالسداد بالدولار، إلى جانب المبادرات الاستثمارية المختلفة التي تسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي وزيادة الثقة في الاقتصاد المصري.

أكد خبير التسويق أحمد ماهر أن هذا الرقم يعكس ليس فقط الثقة المتزايدة في الاقتصاد المصري، بل يكشف أيضًا عن سوق اقتصادي قوي ومؤثر يتمثل في المصريين بالخارج، وهو سوق يجب التعامل معه بمنظور استراتيجي مختلف.
وقال إن المصريين في الخارج ليسوا مجرد مصدر تحويلات نقدية، بل يمثلون شريحة استثمارية عاطفية ترتبط بالوطن وتبحث عن فرص حقيقية للمساهمة في دعمه، مشيرًا إلى أن البنوك المصرية وشركات الاستثمار أمامها فرصة ذهبية لتصميم وتسويق منتجات مالية ومصرفية مخصصة لهذه الفئة، تلبي احتياجاتهم وتواكب تطلعاتهم.
وأضاف أن التعامل مع هذه الشريحة يجب أن يتم عبر حملات تسويقية ذكية تعيد صياغة العلاقة بينهم وبين الدولة، من خلال طرح أدوات استثمارية مثل شهادات الادخار الدولارية، والمشاركة في مشروعات الإسكان، وطروحات الأراضي، وغيرها.
وشدد على أن هذه التحويلات تمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي غير المكلفة للدولة، وبالتالي فإن تعظيم هذا المورد سيسهم بشكل مباشر في استقرار سعر الصرف، وتعزيز الاحتياطي النقدي، وخلق حالة من التكامل بين المصريين بالخارج والمنظومة الاقتصادية داخل البلاد.

قالت الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إن الزيادة الملحوظة في تحويلات المصريين بالخارج تُعد تطورًا بالغ الأهمية، خاصة في ظل حاجة الاقتصاد المصري الماسة لتدفقات من العملات الأجنبية، يمكن توجيهها لتلبية الاحتياجات الأساسية وتعزيز الاستقرار المالي.
وأكدت أن تحرير سعر الصرف لعب دورًا محوريًا في تشجيع المصريين بالخارج على تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، وشكل لهم حافزًا قويًا، وساهم في استعادة الثقة في النظام المصرفي المصري.
وأضافت أن حجم التحويلات المسجل مؤخرًا لم يتحقق منذ أكثر من عشر سنوات، وهو ما يعكس تحسنًا كبيرًا في السياسات الاقتصادية وقدرة الدولة على استعادة مصادر النقد الأجنبي من خلال أدوات واقعية وجاذبة.