كلمة «القانتين» فى قوله تعالى فى قصة مريم عليها السلام: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ»، يقول النّحويون: إنّ جمع المذكر السالم قد يطلق على جمع المؤنث على سبيل التغليب، لكنّ النحويين والأصوليين يتفقون على أنّ ما جاء على أصله لا يُسأل عن علّته، وما جاء على خلاف الأصل فلا بد لخروجه على هذا الأصل من علّة، ونؤكد أن فى هذه الآية واختيار هذا اللفظ نكتة علمية بلاغية فى العدول عن صيغة المؤنث «القانتات» إلى صيغة المُذكّر «القانتين» ذلك أنّ خدمة دور العبادة لم تكن تعهد إلى النساء قط، ولذا عندما وضَعتْ امرأة عمران ابنتها مريم عليها السلام قالت: «رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، فلمّا قامت مريم عليها السلام بخدمة بيت الرب خير قيام، وقامت مقام خيرة الرجال فى هذه الخدمة راعى النص القرآنى البعد الدلالى المعنوى للكلمة، للتأكيد على أنها أدت دورًا لا يقوم به إلا الرجال الأقوياء المخلصون، بل قد لا يقوى عليه كثير من الرجال، حيث يقول الحق سبحانه: «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَي»، أي: وليس الذكر الذى كنت تتمنين كالأنثى التى رزقك الله تعالى بها، فهى خيرٌ من كثير من الرجال فى برّها وتقواها وخدمتها لبيت الله، ومن هنا استحقت أن تكون فى عداد «القانتين» لأنها قامت بما يقوم به الرجال، ولم يعهد فى زمانهم أن تقوم به النساء.