> اليوم فى زمن عودة رياح السموم التكفيرية بفتاوى (الاخوان وداعش ) والقادمة بـ (نيولوك جديد ) من بعض بلادنا العربية ومخفية بعمالتها ونارها وثورتها المدعاة ؛(نار الفتنة والتكفير ) …اليوم نتذكر عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية وهو يصرخ بعد عشر سنوات من الثورة العرابية المغدورة وعينه تنظر الى بلاد التقدم فى الغرب: (بم … تقدموا وتأخرنا والخلق واحد ) فى زمن الفكر التكفيرى والإرهاب الملتحف زيفاً برداء الدين، تطرح العديد من التساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء تخلفنا عن هذا (الغرب) الذى نقاتله ونكفره ؟ لماذا تقدم رغم كفره، وتخلفنا رغم إيماننا المزعوم ؟ وإلى متى تستمر هذه الجدلية ؟ فى زمن الإرهاب الداعشى العائد بـ(نيولوك جديد خادع )والذى وصم الإسلام وبلاده عبر جهاده المزعوم وعمالته المبكرة …بسمات من القسوة والعنف والبداوة الفجة والتى أضحى التخلص منها يحتاج إلى جهاد من نوع آخر طويل المدي، لأن حجم وكيف التشويه للإسلام على أيدى هذا الفكر وجماعاته كان كبيراً وعميقاً .
>>>
>بداية ولد عبد الله بن مصباح بن إبراهيم نديم «النديم» الإدريسى الحسنى (1261 هـ /1842 – 1314 هـ/1896) وهومن أدباء مصر وشعرائها وزجاليها. وخطيب الثورة العرابية.
ولد فى الإسكندرية، شغل العديد من الوظائف، وأنشأ فيها الجمعية الخيرية الإسلامية، وكتب مقالات كثيرة فى جريدتى المحروسة، والعصر الجديد، ثم أصدر جريدة «التنكيت والتبكيت» مدة، واستعاض عنها بجريدة سماها اللطائف أعلن بها جهاده الوطني، وحدثت فى أيامه الثورة العرابية، فكان من كبار خطبائها، فطلبته حكومة مصر. وظل مختفيا فى ارجاء مصر عشر سنين، ثم قبض عليه وحبس وأطلق على أن يخرج من مصر، فبرحها إلى فلسطين وأقام فى يافا وسمح له بالعودة إلى بلاده فعاد واستوطن القاهرة، وأنشأ مجلة ونفاه الإنجليز ثانية، فخرج إلى يافا، ثم إلى الأستانة وعمل فى ديوان المعارف مفتشًا للمطبوعات فى الباب العالي. وله كتب منها: الساق على الساق فى مكابدة المشاق، كان ويكون، النحلة فى الرحلة، والمترادفات. ألّف أكثر من 7 آلاف بيت شعر، وروايتين. أشهر كتبه الاحتفاء فى الاختفاء، اللآلئ والدرر فى فواتح السور، والبديع فى مدح الشفيع، توفى بالأستانة عام (1896).
>>>
> هذا ويحدثنا التاريخ أنه منذ (1128 عاما ) وتحديدافى يوم الثلاثاء جمادى الأولى عام 1310هـ الموافق 29 نوفمبر 1892، أى منذ قرن وثمانية وعشرين عاماً كتب الأديب والسياسى والمجاهد / عبدالله النديم مقالاً نظنه بكل ما حواه، لايزال صالحاً حتى اليوم .. صالحاً لحالنا كأمة تاهت من أمام ناظريها معالم التقدم وسبل النهضة .. لقد عنون (النديم) مقاله، بعنوان آسر هو «بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد» .. كان سؤاله وقتها هو سؤال القرن ونظنه لايزال كذلك، فقط أضيف للقرن، قرن آخر، بكل حروبه وابتلاءاته ومصائره، وثوراته وتجاربه المرة والتى انتهت جميعاً، وياللغرابة بنفس السؤال بعد مائة وثمانية وعشرين عاماً .. لماذا تقدموا وتأخرنا ؟ فقط أضيف إلى السؤال إجابات هى أقرب للأسئلة من قبيل : هل لخلل أصاب عقلنا كان هذا التخلف ؟ أم لعلة نخرت فى عظم ثقافتنا فاستعصت على العلاج ؟! أم لثورات ربيع زائف ناقصة ومسروقة صنعها الشباب وسرقها العجزة والإرهابيون من جماعات داعش والقاعدة وأخواتهما كما يحدث مجددا الان فى بلاد الشام ؟ ومن أين نبدأ فى البحث عن سر كل هذا التخلف والوهن والهوان الذى أصاب خير أمة أخرجت للناس وخير ثورات عاشها جيلنا من 23 يوليو المصرية إلى اليوم؟ .
> والطريف أننا مازلنا نطرح ذات الأسئلة، ولانزال نبحث عن إجاباتها بين دفتى الكتب، وبين سطور المحن والانكسارات والثورات المجهضة بسبب نخبتها الإسلامية-الداعشية أو العلمانية التى ما فتئت تذكرنا بسؤال النديم المركزي: بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد ؟ .
>>>
> لقد حاول النديم وقتها أن يجيب وعزا أمر النهضة الأوروبية برمته إلى عشرة أسباب منها أربعة رئيسة وستة فرعية وهى على التوالى « القدرة على توحيد اللغة – توحيد السلطة – إبراز الدين فى الحياة – التوحد ضد الأعداء الخارجين – إطلاق حرية الصحافة والرأى – الاهتمام بالصناعة الديمقراطية – تشجيع العلماء – الاهتمام بشئون الثقافة».
> ورأى النديم وقتها أن هذه الأسباب بقدر ما كانت دوافع لتقديم أوروبا، كان فقدانها سبباً لتأخر المسلمين والعرب، ولنتأمل كلمة النديم فى نهاية مقاله « التاريخى «، والتى أوجز فيها سبب العلة الكامنة فى الأمة وقتها والتى أدت لتخلفها، ولنقس مقولته تلك على حالنا ونسأل بعدها : هل ثمة خلاف قد وقع فى (أصول تخلفنا) اليوم، عن ذلك التخلف الذى لازمنا إبان عصره قبل قرن وثمانية وعشرين عاماً مضت ؟! .. يقول النديم «إن التأخر إنما جاء من تعميم الجهالة بإغضاء الملوك عن وسائل التعليم والتضييق على أرباب الأقلام والأفكار، وبُعد الأغنياء عن الجمعيات وتقاعدهم عن ضروب التجارة والصناعة والزراعة ورضاهم بالبقاء تحت أسر الشهوات، فإذا أطلق الملوك حرية الأفكار والمطبوعات، وبذل الأغنياء الذهب فى حياة الصنعة، وتعميم المعارف فى المدن والقرى ومساعدة العلماء على الرحلة خلف حياة العلم، واجتمعت كلمة الملوك والوزراء والأمم على السعى خلف التقدم، أمكنهم أن يوقفوا تيار أوروبا شيئاً فشيئاً حتى يضارعوها قوة وعلماءً، وإلا إذا تركوا هذه الأسباب وبقوا على ما هم فيه من التقاطع والتحاسد والجهالة كان من العبث تجمعهم فى الأندية وتشدقهم بقول بعضهم لبعض : بم تقدم الأوروبيون وتأخرنا والخلق واحد».
>هل اختلف الحال عام 1892 حين طرح فيه (النديم) السؤال، عن الحال الذى نطرحه اليوم (2025) بعد أن عاد الفكر التكفيرى بجماعاته وظلامه الدامس يجوب فى بلادنا العربية وقادما من الشام ؟ ليس ثمة تغيير وعلينا لكى ننهض أن نعى ونفهم وندرس ولتكن البداية مع صرخة عبدالله النديم !