مازال الجدل مستمرا حول البحث عن اجابة للسؤال الجارح، لماذا تتضافر كل الأزمات لتسكن دورنا؟ لماذا تتجمع كل الموبقات الحضارية فى إقليمنا البائس؟ بالأمس كنت فى قاعدة رأس التين البحرية ومن فوق الميسترال امتد بصرى إلى الشمال ورسمت فى مخيلتى خريطة اوروبا الموحدة المتقدمة الهادئة والتى نصفها بالقارة العجوز ومنها عبرت بخيالى إلى الطرف الآخر من الاطلنطى حيث امريكا وكندا ثم انطلقت إلى اليابان وجنوب شرق اسيا والهند والصين حيث الدول الصناعية والنمور الآسيوية، العالم بمناطقه يعمل ويجتهد ونحن نتصارع، أهى لعنات جديدة أصابت هذا الإقليم؟ أم هى جينات تاريخيّة موروثة ومهجنة ومعدلة لتصل إلى ما وصلت اليه؟ المتابع لما يجرى فى إقليمنا البائس اليائس ستصيبه لعنة «الاضطراب متعدد الاتجاهات»، فالإقليم يضم بين جنباته كل المنمنمات السياسية، دولا تاريخيّة تمثل أرقاما صحيحة وأخرى وظيفيه لا تعدو كونها أشباه دول وهناك أمم صاحبة حضارة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، بينما هناك شعوب تعانى من «حيرة حضارية»، هناك أيضا العدد الأكبر والأخطر من التنظيمات المسلحة من دون الجيوش والتى نطلق عليها الميليشيات والتى باتت تتحكم فى مصائر الدول بل وتحل محلها بكل فجاجة وهى تخرج لسانها للقوانين الدولية، فى إقليمنا نزلت رسائل السماء اليهودية والمسيحية والإسلام، فى إقليمنا قُتل الأنبياء و استهزئ بالرسل، واندلعت الحروب الدينية والمذهبية ومازالت تمثل وهجا تحت الرماد، فى إقليمنا شاهدنا حكم الله على بنى إسرائيل والذين خرجوا وتاهوا فى الأرض وصاروا شتاتا، وشاهدنا فى إقليمنا حروبا وصراعات امتد بعضها إلى مئات السنين، بزغت فى نفس الإقليم حضارات عظيمة لا يمكن ان يتجاهلها أحد، فالحضارات التى ولدت وتشكلت على أرض مصر وسوريا والعراق واليمن وساحل عمان وتركيا وايران وإثيوبيا وباقى دول الإقليم التى شهدت حضارات متنوعة، كل هذه الحضارات لم يكن بينها صراع وإنما كان بينها تماس فى لحظات الغروب والشروق، فغروب امبراطورية وخفوت حضارة يعنى شروق حضارة جديدة وبزوغ امبراطورية جديدة، هذا الإقليم الذى يجمع بين أركانه كل الأعراق والملل والأجناس لم يهدأ لحظة واحدة عن الصراع رغم كل الموروثات الحضارية والدينية التى تراكمت عبر التاريخ، اليوم ننظر إلى الإقليم من أقصاه إلى اقصاه فلا نجد إلا غرابيب سود يقف خلفها بوم ينعق بأصوات كريهة مختبئ وراء أدخنة متصاعدة من الحرائق المشتعلة بفعل فاعل مرتزق فى غالب الأحوال، ربما كان السبب الرئيس هو وجود كيان محتل مغتصب مثل الكيان الصهيونى الذى التهم الأراضى العربية وقتل الحلم الفلسطينى وعاث فى الأرض فسادا، لكن ما دخل هذا الكيان فيما يجرى فى السودان التى الذى أصبح -للأسف الشديد- ذكرى مؤلمة، وما دخل الكيان بما جرى ويجرى فى ليبيا والصومال وسوريا والعراق ولبنان واليمن؟ لقد استفاد الكيان الصهيونى من كل ما جرى ويجرى على الأرض العربية وربما ساهم مرتزقته وعملاؤه المنتشرين فى كل ربوع المنطقة فى اشتعال المنطقة لتحقيق اكبر المكاسب، لكن تبقى مشكلتنا داخلية فى المقام الأول، فرغم ايماننا بأن المؤامرات التى تحاك لم تتوقف ولن تتوقف إلا أن ايماننا الأكثر رسوخاً بأن أيا منها لن ينجح دونما تقصير من الداخل، فالبلاد العربية التى تلاشت واختفت من على الخرائط وربما للابد وصلت إلى ما وصلت اليه بفعل تقصيرها وخوائها من الداخل، المؤامرات لن تنجح إلا من الداخل، لذلك ارى أن كل ما يدور فى الإقليم يدار ويحاك ويخطط من الخارج، وكل ما يتحرك أمامنا يدار بالريموت كونترول من الخارج، فالمعارك الدائرة معارك بين الوكلاء وليس الأصلاء، لكن اشتداد الصراع الآن ينذر بأن يظهر الأصلاء ويتحول الإقليم إلى ساحة وميدان لحرب حقيقية ربما تحولت إلى حرب عالمية.