اسمحوا لى أن اصطحبكم لنعيش روحانيات شهر شعبان الذى ترفع فيه الأعمال.. لنتعمق فى سيرة رسول الحق «صلى الله عليه وسلم».. لكن هذه المرة.. كما قدمتها لنا كارين ارمسترونج Karen Armstrong.. كاتبة بريطانية متخصصة فى تاريخ الأديان.. كرست كل جهدها للدراسة والبحث والسفر والاستماع للرأى والرأى الآخر.. الأكثر من ذلك أنها تفرغت للنضال بالكلمة.. لمقاومة الشر السائد ضد الشعوب والأفراد.. وقد تحققت هذه الكاتبة من ان هذه الأحقاد والكراهية والعنف.. دافعها المفاهيم المغلوطة والأساطير المختلفة.. كما انها وراء ما يتبناه الغرب من مواقف إزاء الإسلام.. تتعمد الكاتبة فى كتابها البديع محمد «صلى الله عليه وسلم».. الذى أصدرته عام 1992 باللغة الإنجليزية وقام بترجمته إلى العربية عام 1998 د.فاطمة نصر ود.محمد عناني.. تتعمد تصحيح المفاهيم.. إيماناً منها بأن رسالة الأديان السماوية تعنى القبول والمحبة والوفاق.. هذا الكتاب موجه إلى القارئ الغربي.. كما أنه نموذج لسبل الاقناع.. كما أن رؤية الكاتبة تؤكد أن الكاتب عليه ان يقنع أولاً.. كى يقنع الآخرين.. هذا الكتاب يقدم لنا حياة النبى محمد «صلى ا لله عليه وسلم».. بتفاصيل كاملة دقيقة.. استقتها الكاتبة بالبحث والتدقيق من العديد من ترجمات وسير النبى «صلى الله عليه وسلم» التى تم كتابتها فى مختلف الأزمنة .. والكاتبة بعرضها لحياة محمد «صلى الله عليه وسلم».. تكشف للغرب.. ان كراهيتهم وعداءهم لمحمد وللإسلام والمسلمين.. يناقض ما يدعيه الغرب من عقلانية ومن تسامح فكرى وعقائدي.. الرائع فى هذا الكتاب.. انه موثق.. وترجع الكاتبة عداوة الغرب للإسلام ممثلاً فى شخص نبيه محمد «صلى الله عليه وسلم».. لأسبابها الحقيقية وهى الجهل والخوف.. وتبين الكاتبة ان محمداًً والإسلام هما: الرسول الوحيد والديانة الوحيدة اللذان تم التأريخ لهما فى زمن مبكر.. وكيف كانوا يتقصون الحقائق.. يتنقلون بين الأقطار من بلد إلى آخر.. بحثا عن مصادر أحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم».. ثم عرض ما يستوثقون من مصداقيته.. وفى سردها لحياة محمد.. تبين الكاتبة ان الإله الذى دعا محمد «صلى الله عليه وسلم» إلى عبادته هو الإله الذى عبده إبراهيم ودعا إليه موسى وعيسي.. أى أن معنى اللفظ هو الإله الواحد وعددت صفات محمد «صلى الله عليه وسلم» الشخصية قبل البعثة من صدق وأمانة ودماثة خلق وتعارف مع المهمشين من اليتامى والفقراء والعبيد والنساء.. وما كان عليه من روحانية وورع.. وتوضح ان الوحى بالنسبة لمحمد «صلى الله عليه وسلم» كان تجسيداً « لكلمة الله « على لسان بشرى وبلغة إنسانية.. مثلما كان حمل مريم تلقيا لنفس الكلمة فى صورة بشر.. إذا كما تقول كارين ارمسترونج فمحمد واللغة من جهة.. ومريم من جهة أخري.. هى الأشكال البشرية التى تجسدت فيها كلمة الله.. فقد كان محمد ومريم فى وضع المتلقى البشرى لما هو مقدس.. وتتوقف الكاتبة أمام أثر القرآن فى إسلام الكثير.. خاصة عمر بن الخطاب.. وتقدم الكاتبة مقارنة لما تعرض له محمد وهو الإنسان البسيط.. هو والأقلية المستضعفة ممن آمنوا برسالته من ازدراء واضطهاد وايضا شجاعة مجابهتهم عتاة مكة الذين ناصبوه العداء بدافع الخوف والجهل.. وبين دوافع الغرب وأسلوب معاناته للإسلام فى الماضى والحاضر.. إنه نفس موقف أهل مكة فى الزمن الماضى البعيد.. وتقول الكاتبة.. إن محمداً خاض معاركه ضد الظلم.. لتحقيق العدل ومقاومة التحيزات .. فحروب الإسلام كانت دفاعية.. ورداً للعدوان.. وسيلة لفرض السلام الإسلامي.. الذى فى ظله اقام محمد «صلى الله عليه وسلم» مجتمعاً عادلاً أساسه القيم الرفيعة.. فالجهاد هو النضال المستمر ضد الذات وضد الآخر من أجل تحقيق الإرادة الإلهية والعمل على اسعاد البشرية.. فالإسلام لم ينتصر عن طريق السيف ولم تكن الحرب وسيلة أو هدفاً قط.. انه دين وعقيدة سلم وتسامح.. وتقول الكاتبة التى اعتنقت الإسلام عام 1984.. إن محمداً إنسان عادي.. صاحب عبقرية متفردة.. وإنجازاته خلال السنوات الثلاث والعشرين الأخيرة من حياته.. ترقى لمرتبة الإعجاز البشري.. اخلص لرسالته وآمن بها واتبع طريق الحق.. وان المسلمين الأوائل.. باتباعهم محمد.. أقاموا كياناً شاسعاً.. ساده التسامح والعدل والتعايش بين الأديان.. مما حقق خير البشرية.. وان محمداً أصبح كل ما هو غال وكريم ومقدس للمسلمين.. وان أى امتهان لشخصه.. هو امتهان لعقيدة المسلمين وتاريخهم وقيمهم وأسلوب حياتهم ووجودهم.. وهذا يفسر الغضب والثورة اللذين قوبل بهما كتاب سلمان رشدى وتأييد الغرب وتكريمه للكتاب وكاتبه.. تقول الكاتبة الإنجليزية كارين ارمسترونج عن علاقة سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» بزوجاته.. لم تستطع أى زوجة ان تملأ الفراغ الذى تركته خديجة.. ولكن عائشة مكنته من الاطمئنان والتبسط فعلاقتهما المنزلية تميزت بدفء كبير.. فكانت تحب أن تضع الطيب الذى يفضله محمد وان تغتسل من الاناء الذى يغتسل منه وتشرب من الكأس نفسها وكانت تحب ان ترعاه فى مرضه..