نظلم دائماً الماضي.. عندما نتباهى بالتحضر والتطور الذى وصلنا إليه اليوم فى عصر العلم والتكنولوجيا.. وننسب كل نقيصة للعصور السالفة.. بينما بعين الانصاف.. ونظرة الفاحص المدقق.. نجد عكس ذلك تماماً.. ولا أريد هنا أن أجزم بأن الفراعنة كانوا أكثر تقدماً وأرفع علماً وأرقى مهارة واتقن حرفة مما نحن عليه اليوم.. وعودوا إلى الواقع وإلى كل الدراسات والأبحاث التى أجريت عن عصر الفراعنة.. والهندسة المتقدمة والفن المعمارى والنحت الذى كان عليه الفراعنة.. وتدبروا الألوان الزاهية والنقوش الثابتة على كل ما تركه الفراعنة منذ آلاف السنين إلى اليوم.. بينما كل اللوحات الحديثة بما فيها لوحة الموناليزا التى يتباهى بها الغرب قد ذهبت ألوانها وتآكلت معالمها.. فما بالك بلوحات وألوان زاهية ونقوش اعجازية مر عليها أكثر من 7 آلاف سنة.. ومع ذلك دع هذا جانباً.. وما قصدت من وراء هذه المقدمة ذلك على الاطلاق.. وإنما مجرد تدليل على ظلمنا الدائم للماضي.. ولكن تعالوا إلى بيت القصيد.. وما أردت التنويه إليه فى هذا المقام.. لتدركوا إلى أين تمضى إنسانية البشر.. وهل نتقدم أم نتحسر على الماضي.. تعالوا نقارن ببساطة بين حلف الفضول الذى تم تدشينه فى الجاهلية بقلب مكة وعائلات قريش.. وبين حلف «الناتو» فى عصر التكنولوجيا والتقدم المذهل.. كيف ولماذا تم تدشين حلف الفضول.. جاء رجل بسيط ببضاعته إلى قلب مكة.. فى سوق شهير.. وابتاع منه آخر بضاعته.. لكن حبس عنه حقه ــ ظلماً وقهراً.. وغطرسة.. ونفوذاً.. تماماً مثلما فعل «بلفور» رئيس الوزراء البريطانى فى الأرض الفلسطينية حيث سلبها من أهلها.. ومنحها لمن لا يستحقون من يهود العالم.. لتتخلص منهم أوروبا وترتاح من مشاكلهم وما يسببونه لها من مشاكل وتصدرها للشرق الأوسط.. فماذا فعل سادة قريش ليحصل هذا الرجل البسيط على ثمن بضاعته ويعود إليه حقه من هذا المتغطرس.. اجتمع سادة بنى هاشم وبنى عبدالمطلب وكبار القبائل فى قريش فى دار عبدالله بن جدعان وكونوا «حلف الفضول» ليكون بيت العدل ومنصة الحق والحفاظ على حقوق البسطاء ونصير أى مظلوم.. واستدعوا الرجل الذى حبس حق البسيط وألزموه برد ثمن البضاعة ففعل فى الحال وصار حلف الفضول نصير أى مظلوم.. حدث ذلك فى عصر الجاهلية الذى نلصق به كل نقيصة.. بينما تم تدشين حلف «الناتو» اليوم فى عصر الصعود إلى القمر والشروع فى إعمار كوكب المريخ الذى بدأت بالفعل بعض الشركات فى تنظيم رحلات تعمير على كوكب المريخ.. والترويج لعصر ما بعد الكرة الأرضية واللجوء للإعمار والحياة على ظهر المريخ.. والكواكب الأخرى القابلة للحياه على ظهرها.. فى ظل هذا العصر المتطور والمقدم من ثم تدشين حلف «الناتو».. هل لنصرة المظلوم على مبادئ «حلف الفضول».. قطعاً الأحداث والتاريخ يؤكد لا وألف لا وإنما هو على طريقة «المافيا» والعصابات.. لفرض السيطرة والترهيب والنفوذ.. والتاريخ يقف شاهداً على ذلك ففى الوقت الذى أجمع فيه المنصفون فى العالم أن التقارير التى روج لها جورج بوش الابن وتابعوه عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل غير صحيحة.. وأن مبررات ضرب العراق واهية إلا أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها نفذوا ودمروا.. دخل الأمريكان العراق.. دمروا جيشها.. ونفطها وثرواتها.. وأعدموا رئيسها.. ثم خرج جنرالات البنتاجون أنفسهم يعترفون بعد خراب العراق وتحويلها إلى بقايا دولة وأطلال شعب أن المعلومات التى وصلتهم والتقارير التى رفعت إليهم زائفة وأن العراق برئ من تهمة امتلاك أسلحة دمار شامل ولا يعرف للنووى سبيلاً ولا الذرى طريقاً.. فى الوقت الذى يتباهى فيه وزراء تل أبيب بامتلاك النووى والذرى دون حساب أو عقاب أو حتى مجرد الاشارة إلى ذلك. من قريب أو بعيد.. وكان ينبغى على المجتمع الدولى أن ينتفض لعلاج الخطأ التاريخى لأمريكا وأتباعها بتدمير دولة وسلب خيراتها.. ونفطها وثرواتها وتعويض العراق عما أصابه.. ومعاقبة المخطئين فى حق بلاد الرافدين.. لكن مر الاعتراف دون حساب أو عقاب.. واليوم.. تشن قوات الاحتلال الإسرائيلى حرب إبادة شاملة على الشعب الفلسطيني.. نسفوا المنازل والمستشفيات والمؤسسات حتى مقرات «الأونروا» والأمم المتحدة فى قطاع غزة لم تسلم من الغارات الإسرائيلية التى تبيد الأخصر واليابس على مرأى ومسمع المجتمع الدولى الذى صم أذنيه وأغلق عينيه وصام عن الكلام الحق.. ولم يحرك ساكناً.. إلا رفع اليد اعتراضاً على أى قرار أممى يدين أو يندد بقوات الاحتلال وجرائم الحرب الدامغة التى يرتكبها قادة تل أبيب.. وأصبح «الفيتو» الأمريكى هو كل ما يملك النظام العالمى الجديد لمنع أى قرار يقف حائلاً دون تنفيذ إسرائيل لحرب الإبادة وهدم البيوت على رأس ساكنيها.
>>>
فهل يتساوى إذن مبدأ وفكر وعدل أهل الجاهلية فى تكوين «حلف الفضول» ليكون نصير المظلومين وانصاف المقهورين واقرار الحقوق لأصحابها.. مع فكر عصر الصعود إلى القمر والقتل بالليزر على بعد.. وانتهاك سيادة الدول وقتل الأبرياء ونسف البيوت على رءوس العباد.. إلى أين يمضى الإنسان الحديث.. الذى يلصق كل نقيصة بالماضي؟.. وإلى أى حزب تنتمى «الفضول».. أم «الناتو»؟! إنه بيت القصيد!!