إذا حالفك الحظ وكنت من سكان احد احياء آل البيت السيدة زينب او الحسين او السيدة نفيسة او زين العابدين او السيدة عائشة فلا بد انك رأيت تلك السرادقات التى تنطلق منها الانوار والابتهالات وترص صناديق الحلوى والى جوارها العرائس والفرسان المصنوعة من الحلوى الملونة والمزينة بأوراق فضية وذهبية تزيد السرادق زينة وبهجة ، فعندما تهل علينا ايام النور الالهى والبركة والخير ، مولد النبى صلى الله عليه وسلم ، ونبحث وسط الأوراق والصور الملونة والذكريات عن الحلوى والحصان والفارس وسيفه الخشبى ومسيرات الخيول فى قرى الجنوب المصرى ، وحلقات الذكر والاستماع للمنشدين والمداحين فى ساحات مساجد آل البيت ، وموائد العشاء العامرة يقدمها أغنياء القرية للجميع فاليوم من اغلى الأعياد على المصريين نصلى جميعاً على سيدنا النبى . و القصة عمرها يزيد على 1000 عام وتتوارثها الاجيال ،ففى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله شهدت مصر الاحتفال بالمولد النبوى واصبح من المعتاد ان يتم استقبال هذه المناسبة بداية من اول ربيع الاول حتى 12 من الشهر نفسه ، ويؤكد المؤرخون ان هذا الاحتفال كان من سمات عصر الفاطميين حيث بالغوا فى مظاهره حباً وتقديراً واعترافاً بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد اعتاد الحكام على مر العصور فى فترة حكم الفاطميين توزيع حلوى المولد على الشعب فى تقليد حلله المؤرخون بأنه كان يلعب دوراً سياسياً واجتماعياً قبل ان تكون متعلقة بالمناسبة الدينية ، وفقاً للدراسات والمؤرخين فإن حلوى المولد ظهرت فى العصر الفاطمى حيث كان الفاطميون ينتظرون المناسبات الدينية للتقرب من الشعب ، وهكذا ظهرت فكرة صنع حلوى المولد لتوزيعها على الناس والأطفال فى الشوارع ، اما عروسة المولد فقد ظهرت فى العصر الفاطمى ايضاً واختلفت الروايات حول القصة وراء ابتكارها ومن ضمن الحكايات انها صنعت استناداً إلى زوجة الحاكم بأمر الله التى كانت تخرج معه فى يوم المولد واعتادت ارتداء ثوب ابيض مما اوحى لصناع الحلوى بابتكار هذه العروسة التى تضع يديها فى خصرها وتغطى رأسها بالغطاء الشفاف المطرز وتتجمل والى جوارها فارس على الحصان يرفع سيفه لأعلى . إلا ان هناك قصة اخرى ذكرت فى بعض كتب التاريخ تقول ان عروس المولد ارتبطت لدى المصريين القدماء ب إيزيس وانها تشكلت وتغيرت حتى اصبحت مظهراً للاحتفال وجزءاً من الفلكلور الشعبى .
واكتمالاً لهذه القصة فإنه مع مرور الايام اصبحت صناعة حلوى المولد النبوى جزءاً من التاريخ والثقافة المصرية وادخلوا عليها تعديلات وأضافوا الالوان لتلائم كل فئات الشعب . وقد بدأت صناعة حلوى المولد بأربعة أنواع فقط السمسمية والحمصية والفولية والملبن ليضاف اليها سنوياً أشكالاً جديدة وأنواعاً مختلفة بالفواكه المجففة والمكسرات ، وحتى الان فإن عروسة المولد تتميز فى مصر بأنها تلقى قبولاً كبيراً فى اماكن بعينها خاصة الأنماط الشعبية والريفية حيث اعتادت هذه الطبقات تقديمها للفتيات وعرائس الاسر الكبيرة فى منازلهم الجديدة . ويؤكد المؤرخون ان الفاطميين احتفلوا بالولد النبوى طوال فترة حكمهم الـ 120 عاماً وانه كان لديهم ما يعرف بالمواليد الستة وهى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد الامام الحسن والإمام الحسين إلا ان المصريين عرفوا بأنهم اهل السنة واعتادوا الاحتفال بالولد النبوى الشريف فقط .
وفى عهد الدولة العثمانية كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة للاحتفال بالأعياد والمناسبات المعروفة لدى المسلمين وعلى رأسها المولد النبوى الشريف حيث اعتادوا الاحتفال به فى احد الجوامع الكبيرة حسب اختيار السلطان . وعندما تولى السلطان عبد الحميد الثانى الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدى ، وقد كان الاحتفال بالمولد فى عهده فى ليلة 12 ربيع الاول حيث يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها وجميعهم بالملابس الرسمية التشريعية وعلى صدورهم الأوسمة ثم يقفون فى صفوف انتظاراً للسلطان الذى يصل لمكان الاحتفال راكباً جواده بسرج من الذهب الخالص وسط موكبه الذى يرفع الأعلام والجنود من حوله وجماهير الناس من خلفهم ليبدأ الاحتفال بقراءة القرآن الكريم ويتبعه حلقات الذكر حيث ينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبى . وهكذا من عصر لما يليه تظل انوار الرسول الكريم تحيطنا ونحتفل باجمل ما لدينا من عادات وتقاليد مصرية صميمة .