تنتهج إسرائيل سياسة العقاب الجماعى ضد الفلسطينيين منذ زمن بعيد، وتتوارث الحكومات المتعاقبة ذلك المبدأ امعانا فى تشديد الحصار على الأراضى المحتلة، وله طرق مختلفة من القمع العسكرى وحروب الإبادة إلى قرصنة أموال الشعب وسرقتها دون وجه حق.
فى المقابل، يتخذ الصمود الفلسطينى أشكالا متعددة فى مواجهة المحتل؛ بين المقاومة فى ساحات القتال، او التمسك بالأرض، أو الاصرار على دعم النشاط الاقتصادى الفلسطينى فى ظل السلب والسيطرة الإسرائيلية على الأموال.
الاقتصاد الفلسطينى هو اقتصاد تابع لدولة الاحتلال، التى تتحكم فى تحديد الهياكل الاقتصادية له سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بحيث يخضع دائما لمصلحة إسرائيل ويرتبط بالأوضاع الأمنية والسياسية التى تتفق مع اهوائها.
فى عام 1994، وبعد اتفاق أوسلو، خرج بروتوكول باريس الاقتصادى الذى يتكون من 82 بندا بهدف تنظيم العلاقات الاقتصادية عبر االلجنة الاقتصادية المشتركةب بين السلطة وإسرائيل.
وصفت دراسة للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين هذه الاتفاقية بأنها امصيدةب دخلتها منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تستطع الفكاك منها حتى الآن، حيث امتلكت إسرائيل القرار النهائى بكل ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية الفلسطينية.
وبموجب هذه الاتفاقية، فإن إسرائيل تتحكم فى أدق تفاصيل الحياة الاقتصادية الفلسطينية من خلال سيطرتها المطلقة على الموانئ والمعابر والحدود، وبالسلع المستورَدة، كما منحت الاحتلال مهمة اجبايةب الضرائب والجمارك (إيرادات المقاصة) والتحكُّم بالنظام الضريبيّ، وربط الموافقات الاقتصادية بالبعد الأمني، دون النظر لمستوى النمو والتطور فى الاقتصاد الفلسطينى الناشئ مقارنة بالإسرائيلي.
تعتمد السلطة الفلسطينية بشكل كبير فى إيراداتها على أموال المقاصة. وحسب إحصاء لسلطة النقد الفلسطينية لعام 2022، فإنّ أموال المقاصة تشكل حوالى 64٪ من إجمالى إيرادات الحكومة الفلسطينية، يحولها الاحتلال بحوالة بنكية خلال الأسبوع الأول من كل شهر.
وكعادتها تستغل إسرائيل تلك الاموال كورقة ضغط وابتزاز ضد الفلسطينيين، إما بالتلاعب أو القرصنة، أو الامتناع عن تحويلها إلى حسابات السلطة.
تخضع الأموال الفلسطينية لدى سلطات الاحتلال لجملة من الاستقطاعات غير المبررة أهمها:
> عمولة التحصيل، وهو بند تحجبه وزارة المالية الإسرائيلية مقابل جباية أموال المقاصة وتقدر نسبته 3٪ شهريًا وذلك وفقًا لما جاء فى بروتوكول باريس الاقتصادي.
> اقتطاعات صافى الإقراض: وهى المبالغ التى يقتطعها الاحتلال من إيرادات المقاصة مقابل الخدمات التى تقدمها بعض الشركات الإسرائيلية، كالكهرباء والمياه والخدمات الطبية ولا يسددها عدد كبير من الفلسطينيين للجهات التابعة للسلطة الفلسطينية.
> اقتطاعات عائلات الأسرى والشهداء: عام 2018، صادق الكنيست الإسرائيلى على تجميد دفع مخصصات تحولها السلطة الفلسطينية لذوى الشهداء والأسرى والجرحي.
< اقتطاعات لصالح متضررى عمليات المقاومة: فى مطلع عام 2023، أقرت الحكومة الإسرائيلية الخصم من أموال المقاصة، كتعويضات لصالح من تصفهم بمتضررى العمليات التى يقوم بها الفلسطينيون ضد الاحتلال، بعد أن قاموا برفع قضايا فى المحاكم الإسرائيلية.
> اقتطاعات قطاع غزة: منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، أقرّ وزير المالية الإسرائيلى قرارًا يقضى بتجميد حصة قطاع غزة من أموال المقاصة، والتى تقوم السلطة الفلسطينية عادة بتحويلها للقطاع المحاصر، كرواتب للموظفين العموميين، وتكلفة إمداد الوقود لتشغيل الكهرباء.
يُذكر أن السلطة الفلسطينية لم تتسلم أموال المقاصة سوى لشهر واحد منذ السابع من أكتوبر، وبعد أن اقتطع الاحتلال حصة غزة منه، مما يعمق العجز المالى للسلطة الفلسطينية، ويفقدها القدرة على سداد المستحقات المترتبة عليها.
يهدف الاحتلال من هذه الاجراءات التعسفية من خلال التلاعب فى تحويل أموال المقاصة، إلى إبقاء ميزانية السلطة الفلسطينية بحالة عجز، وإفقار الشعب وحرمان الاقتصاد الفلسطينى من أى فرصة للتخلص من تبعيته لاقتصاد الاحتلال.
يمكن اعتبار بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلى أنه مهندس عقاب السلطة الفلسطينية ماليا، فبالإضافة إلى تصريحاته التحريضية ضد سكان قطاع غزة ودقه المستمر لطبول الحرب، مع رفيقه المتطرف ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي، يسعى سموتريتش دائما لنهب اى أموال تخص الفلسطينيين.
فى عام 2022 توجهت السلطة الفلسطينية إلى محكمة العدل الدوليّة التابعة للأمم المتحدة، للمطالَبة بإبداء رأى قانونيّ فى استمراريّة الاحتلال الإسرائيليّ منذ العام 1967. وجاء العقاب مطلع العام الماضى بعد أن تشكلت الحكومة الإسرائيلية الأخيرة برئاسة بنيامين نتنياهو، حيث وقع سموتريتش على قرار يقضى بحجز 139 مليون شيكل من أموال الـمُقاصّة.
وفى فبراير عام 2023، وقع وزير المالية الاسرائيلى على قرار باقتطاع 100 مليون شيكل من أموال المقاصة وتخصيصها لعائلات المستوطنين الذين قتلوا فى عمليات المقاومة الفلسطينيّة، وتعويض أُسَر المستوطنين. كما قرر سموتريتش فى مايو نفس العام مصادرة 3.2 مليون شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينيّة، لصالح نفس الغرض.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن سموتريتش وقف تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، رداً على اعتراف ثلاث دول أوروبية رسمياً بدولة فلسطين هى النرويج، واسبانيا، وايرلندا.
وقال سموتريتش، إنه أبلغ نتنياهو، بقراره، مضيفاً: أنه الن يمدد التصريح للبنوك التى تتعامل مع بنوك السلطة الفلسطينيةب.
انفوجراف
18.5
مليار دولار خسائر البنية التحتية فى غزة منذ السابع من اكتوبر الماضى وحتى الأول من ابريل 2024 وهو ما يعادل 97٪ من الناتج المحلى للضفة الغربية وغزة معا عام 2022، وفق تقديرات البنك الدولي.
835
مليون دولار مجموع الأموال التى احتجزتها إسرائيل من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة منذ عام 2018 وحتى عام 2023.
10
ملايين دولار المعدل الشهرى لعمولة وزارة المالية الإسرائيلية من تحصيل أموال المقاصة الفلسطينية.
366
مليون دولار، أى ما يعادل حوالى 8.4٪ نسبة الاستقطاع من بند صافى الإقراض فى عام 2022
588
مليون دولار مجموع ما اقتطعه الاحتلال من المقاصة تحت بند مخصصات عائلات الاسرى والشهداء منذ مطلع 2019 وحتى نهاية عام 2022 بحسب مجلس الوزراء الفلسطينى.
40
مليون دولار تم استبعادها من أموال المقاصة عام 2023، كتعويضات لصالح متضررى إسرائيل من عمليات المقاومة الفلسطينية.
295
مليون دولار حصة قطاع غزة من اموال المقاصة تم حجبها خلال الربع الأخير من عام 2023 بعد احداث السابع من اكتوبر.