تكليفات وأهداف رئاسية واضحة لحكومة الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة.. فى مرحلة دقيقة واستثنائية
نحن أمام أهداف وطنية جديدة حددها الرئيس عبدالفتاح السيسى وكلف بها الدكتور مصطفى مدبولي، بعد تكليفه بتشكيل وزارة جديدة تأتى فى مرحلة استثنائية شديدة الدقة فى أتون تحديات وتداعيات أزمات إقليمية وعالمية لها آثارها على الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل.. ومن أهم متطلبات الحكومة الجديدة، انها تواصل مسيرة البحث عن أفكار ورؤى وحلول خلاقة لمواجهة التحديات التى فرضها الواقع الإقليمى والدولي.. لا شك أن الحكومة السابقة أدت ما عليها.. لكن هناك بعض الملفات والتحديات تحتاج لروح جديدة وتجسيد حقيقى للعقيدة الرئاسية فى تطبيق الفكر الخلاق والحلول خارج الصندوق، التى صنعت الفارق على مدار 10 سنوات ماضية، خاصة ما يتعلق بمحددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التهديدات الإقليمية والعالمية.. وأيضاً قضايا المواطن المصري، فيما يتعلق بالأسعار والتضخم وضبط الأسواق.. وفى القلب أيضا البناء الشامل للإنسان المصري.
نجحت مصر على مدار السنوات العشر الماضية فى تحقيق قفزات وطفرات بالأفكار الخلاقة والحلول خارج الصندوق.. وهو ما يشكل عقيدة رئاسية دائماً تبحث عن المقترحات والرؤى الجديدة والواقعية والحلول والأفكار الخلاقة.. وبدونها ستظل الأمور صعبة كما هي.. بل وربما تزداد صعوبة مع تراكم التداعيات واستمرار التحديات التى تواجه الدولة المصرية، سواء فى محدودية الموارد أو النمو السكانى المرعب.. لذلك نحتاج لحكومة جديدة.
من الواضح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يريدها حكومة شديدة الخصوصية، فى وقت شديد الدقة له متطلباته الاستثنائية.. وحدد الرئيس السيسى أهم ملامح وصفات ومواصفات الحكومة الجديدة، فى كونها من ذوى الخبرات والكفاءات والقدرات المتميزة، بعيداً عن العمل النمطى والتقليدي، فى ظل تحديات طارئة واستثنائية، وفى مواجهة الصعوبات والتداعيات والأزمات العالمية، مع الاعتراف بأن الحكومة السابقة فى النهاية أدت ما عليها فى حدود إمكانياتها وقدراتها والواقع والمتاح.
كما وصفها الرئيس، صاحبة قدرات متميزة تجيد تحويل ما لدينا إلى قيمة مضافة وتصنع الفارق وتتغلب على المعضلات والإشكاليات.. ولعل تكليفات الرئيس السيسى لحكومة الدكتور مصطفى مدبولى القادمة تجسد أهم الأولويات الرئاسية والوطنية خلال الفترة القادمة، سواء فى الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ولعل دقة التعبير وعبقرية الصياغة الرئاسية تؤكد أهمية الحفاظ على محددات الأمن القومى المصري، وهو ما يشير إلى ضرورة مواصلة العمل على هذه المحددات والسياسات، التى مكنت الدولة من سلامة أمنها القومى فى ظل ما يحدث فى المنطقة من صراعات وتوترات وتهديدات وما يحدث فى دول الجوار على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، سواء فى السودان أو ليبيا أو غزة أو البحر الأحمر أو مياه النيل.. وأيضا فى ظل ما يموج به العالم من صراعات، خاصة فى ظل استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، والصراع القائم بين نظام عالمى قائم وقديم، يرتكز على الهيمنة وازدواجية المعايير وغياب العدالة وتأجيج الحروب.. ونظام عالمى يقاتل ويتطلع من أجل أن يظهر للنور ويتبوأ مكانه ويتغلب على النظام العالمى القديم.
فى ظني، أن الرئيس السيسى فى تكليفه للحكومة الجديدة بقيادة الدكتور مصطفى مدبولي، لا يقصد فقط الأمن القومى بمفهومه المباشر، وهو ما يدور من صراعات وتهديدات إقليمية فى المنطقة.. ولكن المفهوم الشامل للأمن القومى المصرى ومكوناته الداخلية والخارجية، سواء الأمن المائى أو الأمن الغذائى وبناء الإنسان والحياة الكريمة للمصريين، وتخفيض فواتير الاستيراد وترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات أو الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على الخارج فى الحصول على السلع الاستراتيجية، واستغلال الفرص الثمينة للاستثمار والنهوض بمستوى حياة ومعيشة المواطن والاهتمام بملفات الرعاية الصحية وتوفير الدواء وتوطين الصناعة، والاهتمام بالتعليم، بالإضافة إلى أمور أخري.. لذلك أرى تكليف الرئيس السيسى بالحفاظ على محددات الأمن القومى المصري، هو تكليف شامل يتجاوز فكرة التهديدات اللحظية.. بل أرى أن الحفاظ على مستويات الاكتفاء والنهوض الاقتصادى والحفاظ على العقل المصرى والاهتمام بالأبعاد الثقافية والهوية والشخصية المصرية والوعى الوطنى وترسيخ المواطنة والعدالة والمساواة والتسامح، هى أساس تحقيق الاستقرار والتماسك والاصطفاف المجتمعى الوطني.. وكذلك تجديد الخطاب الدينى بما لا يمس أو يتعارض مع الثوابت الدينية.. وقضية الوعى الوطنى والفهم، هى أهم وأخطر التحديات فى التوقيت الراهن، فى ظل موجات بل طوفان الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه ومحاولات تصوير وتحريض المواطن المصرى وملء عقله بالوعى المزيف.. وهى حروب تستهدف العقل المصرى والدولة الوطنية.. وهو ما يجب العمل عليه بتركيز وفهم وآليات ورؤى وخطط أكثر جدارة وبأفكار مختلفة، خاصة بناء الوعى بشكل مباشر على أرض الواقع، بزيادة الالتحام بين المسئول والمواطن، وأن يشارك الجميع فى بناء هذا الوعى الاستراتيجى ذى الأهمية القصوى فى هذا التوقيت، سواء وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالمى ووزارة الشباب والرياضة، بعيداً عن النمطية فى آليات بناء الوعى وشخوصه، التى باتت تعانى الرتابة والتقليدية.. بالإضافة إلى وجوب وجود دور فاعل للمؤسسات الدينية، أكثر تلاحماً وتفاعلاً بقضايا وشواغل العصر.. وكذلك تفعيل دور المؤسسات الثقافية، بعيداً عن حالة المعمل الثقافى والبحث عن وجوه جديدة.. وهو أمر غاية فى الأهمية، خاصة أنه يرتبط ببناء الشخصية المصرية وتشكيل الوعى الوطنى فى مواجهة حروب عديدة تعمل على تدمير الوعى والعقل والهوية ومنظومة الأخلاق والقيم وتضعف من قوة الانتماء.
فى تصوري، أن التكليف الأول للرئيس السيسى للدكتور مصطفى مدبولى بعد إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.. وهو الحفاظ على محددات الأمن القومى المصري، وهو شامل وجامع ومانع، يضم التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية.. ومنح الرئيس أولوية قصوى لكل ما يرتبط ببناء الانسان المصرى على كافة الأصعدة، فى الارتقاء بمستوى معيشته والاهتمام بمشروع »حياة كريمة«.. لكن يبقى التحدى الأهم والأبرز الذى يواجه الحكومة الجديدة، هو قضية الأسعار وضبط الأسواق وخفض معدلات التضخم التى باتت مؤلمة للمواطن المصري، ويخبرك أن كل شيء فى أفضل حال.. ولكن يطالب الحكومة بخفض الأسعار وضبط الأسواق ومحاربة الجشع والمغالاة، فى ظل أن السلعة الواحدة تباع بأكثر من سعر فى نفس الشارع.. وفى ظنى أن الدولة أو الحكومة مطالبة بالدخول فى هذا المجال وتبنى فكر التاجر وتخفيض سلاسل التوزيع والحصول على السلع من المصانع والشركات والمزارعين وبيعها للمواطن بأقل هامش ربح، مع التركيز على عصا العقاب للجشع وإحكام الرقابة بشكل جدى وحاسم، بعيداً عن التصريحات والعناوين.. مطلوب الحزم والاهتمام بهذه القضية، لأنها الوحيدة التى تسبب معاناة للمواطن، فى ظل تداعيات الأزمات والصراعات العالمية.
كعادته الرئيس السيسي، وضع يده على تشخيص دقيق للحالة المصرية الحالية ومتطلبات العمل الوطنى فى الفترة القادمة على كافة الأصعدة، خاصة الإصلاح وجذب الاستثمارات فى ظل الفرص الغزيرة والبناء الشامل للإنسان المصري، معيشياً وصحياً وتعليمياً وفكرياً وثقافياً، وبناء وعى وفهم حقيقى لدى المصريين وترسيخ التشاركية بين الحكومة والمواطن فى تحمل المسئولية.. لكننا نريد حكومة تجيد التواصل مع الناس.. وليس الاكتفاء بالمشاهدة وعدم الرد على تساؤلات المواطن الحائرة.
تحيا مصر