قبل شهور كتبت مقالاً تحت عنوان «فلسفة التغيير» فى توقيت كانت الشائعات كثيرة تحوم حول تغيير وزاري، ساعتها كان البعض يخرج علينا وكأنه يضرب الودع، أو يدعى أنه صاحب قرار التغيير، أن الحكومة سترحل الثلاثاء أو الخميس أو الأسبوع القادم وذلك قبل عدة شهور، وهى للأسف ظاهرة ليست صحية، خاصة أننى من أنصار اتركوا الأمور لأصحاب القرار، هم أعلم وأكثر دراية بالصورة الكاملة، والأقدر على اتخاذ القرار الصواب، والاختيار الصحيح والتوقيت المناسب.
قلت فى مقال سابق «فلسفة التغيير» إننا فى توقيت شديد الدقة، وبالغ الحساسية فى ظل تداعيات أزمات وصراعات دولية وإقليمية لها آثارها الاقتصادية الصعبة وبالتالي، الدولة فى حالة اشتباك مع هذه التداعيات، ولا يمكن أن تقوم بتغيير فى هذا التوقيت، لأن المسئول أو الوزير الموجود أكثر جدوى فى التعامل مع هذه الآثار الصعبة جراء التداعيات القاسية للأزمات والصراعات الدولية.
التغيير فى عقول المروجين للشائعات ظل عالقاً على مدار سنوات أو شهور طويلة ولم يحدث، لأن هناك قيادة وطنية حكيمة تعرف وتعلم توقيت القرار والتغيير بما يحقق جدواه وعوائده وليس لمجرد التغيير.
ربما يسألنى البعض أن التداعيات والأزمات والصراعات الدولية الصعبة مازالت قائمة وهو سؤال مهم ومربط الفرس كما يقولون وأحد أهم أسباب كتابة هذا المقال.. الإجابة باختصار، ربما يرحل عدد من الوزراء فى التشكيل الجديد لحكومة الدكتور مدبولى الجديدة بعد إعادة تكليفه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وربما يكون هناك عدد من الراحلين من المجموعة الاقتصادية، لكن هناك رئيس وزراء على درجة عالية من الكفاءة والنشاط والعمل، وليس هناك أدنى مجاملة فهو على كامل الإلمام بالملفات والتحديات والقضايا وأسباب الأزمات والآثار الصعبة لتداعيات الصراعات العالمية، ربما يحتاج فقط لوزراء جدد، لديهم روح ورؤى جديدة فى تنفيذ التكليفات وهذه طبيعة الحياة لتحريك الماء الراكد.
لا أجامل أن القيادة الحكيمة حالفها الصواب فى إعادة تكليف الدكتور مدبولى رئيساً للحكومة الجديدة ويعيد تشكيلها لأسباب كثيرة، إن الرجل المهذب الخلوق، كثير النشاط وشديد الإصرار والإرادة، لأنه على اطلاع ودراية ومعرفة كاملة وعلمية وواقعية بالتحديات التى تواجه الدولة المصرية فى هذا التوقيت الدقيق، الذى يشهد عدداً من القضايا المتشابكة والمعقدة التى فرضتها الظروف الاستثنائية على الصعيدين الإقليمى والدولي، وهو العقل، أو «الهارديسك» الذى يحوى كافة الملفات، والتحديات وبالتالى هناك اطمئنان كامل أن رحيل بعض الوزراء المعنيين لبعض الملفات، لن يؤثر على دولاب العمل، لأن العقل الأساسى والرئيسى موجود، وكما قلت يحتاج إلى وزراء أكثر نشاطاً وتحركاً ورؤية وقدرة على التنفيذ، وهذا لا يعنى عيباً فى الوزراء الراحلين بل لابد أن نوفيهم حقهم فقد أدوا ما عليهم، فى ظروف غاية فى القسوة والصعوبة، بل وحققوا نجاحات كبيرة قبل هبوب عواصف الأزمات العالمية والإقليمية، وأيضاً نجحوا فى الصمود أمامها، ودعم الاستقرار على أقل تقدير.
الحكومة مع بقاء الدكتور مصطفى مدبولى رئيساً للوزراء، لم ينقطع حبل الاشتباك مع التحديات والأزمات القائمة، أو الطموحات التى نتطلع عليها أو الأهداف المخطط لها، ولسنا فى حاجة فى ظل هذا التوقيت لرئيس وزراء جديد يحتاج عاماً كاملاً على الأقل للاطلاع والمذاكرة للقضايا والملفات والتحديات ومعرفة تفاصيلها وأسبابها ووضع رؤى لعبورها، لأن رئيس الوزراء المكلف هو نفسه الذى يحفظ عن ظهر قلب، وقادر على تنفيذ تكليفات ورؤى وتوجيهات القيادة السياسية لأنه مشتبك وملم بالقضايا.. إذن التغيير هنا محسوب ومقدر بدقة، وله فلسفته، فلم يكن تغييراً لمجرد التغيير، بل له فلسفة وأسباب وحيثيات ليس فقط لأن الدكتور مدبولى على إلمام واطلاع بالقضايا ولكنه أيضاً رجل كفء، وجدير، ويستند على قاعدة عريضة، وقائمة طويلة من الإنجازات والنجاحات نراها فى مختلف ربوع البلاد تنفيذاً لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشكل عالى الجودة، وفى توقيتاته المحددة، فإذا تحدثنا عن المرحلة الأولى من المشروع القومى العملاق تنمية وتطوير قرى الريف المصرى الذى أطلقته المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، بتكلفة 350 مليار جنيه، حيث انتهى من المرحلة الأولى بواقع 27 ألف مشروع فى قرى المرحلة الأولي، وما شهده الصعيد من تنمية غير مسبوقة، وأيضاً ما شهدته سيناء، وما تحقق فى مجال الرعاية الصحية، وإقامة مئات المستشفيات الجديدة وتطوير القديمة والحماية الاجتماعية، والقلاع الصناعية والإنتاجية، وما تحقق فى قطاع الزراعة من طفرات غير مسبوقة، وفى مجالات الطاقة بكافة أنواعها بترول وغاز وكهرباء وطاقة جديدة ومتجددة.. وفى مجال توليد الكهرباء من الرياح والشمس والمستقبل الذى وضعت بنيته التحتية فى مجال الهيدروجين الأخضر، ووجود مصر على رأس الدول الأفريقية فى مجال جذب الاستثمارات الكبرى ومراتب متقدمة على الصعيد العربى بل فى عام 2022 كانت مصر على رأس الدول العربية الأكثر جذباً للاستثمارات وأيضاً باتت مصر واحدة من الدول التى تمتلك فرصاً واعدة فى مجال الاستثمارات وأيضاً الحفاظ على الأمن والاستقرار بمفهومه الشامل، وقبل جائحة كورونا وتلاحق الصراعات العالمية والإقليمية، كانت حكومة «مدبولي» فى القمة تحقق معدل نمو اقتصادياً واعدا.
ليس الهدف من ذكر بعض إنجازات حكومة مدبولي، أو سرد أسباب جدارته على سبيل المجاملة، أو حتى رداً على المزايدات، وأحاديث الإفك والجهل، أو الانسياق وراء خلايا إلكترونية إخوانية مدفوعة من قوى الشر، لتشويه أى نجاح تحققه ولكن لأسباب موضوعية وواقعية.. وإحقاقاً للحق، بل أزيد على ذلك بأن الدكتور مدبولى شديد الانفتاح على كافة الآراء والاقتراحات وقلبه وعقله يتسع للجميع، بل ويتقبل النقد، وإن كنت أرى استبدال الهجوم والنقد الجارح إلى طرح الناس والنخب والمثقفين والخبراء، والمتخصصين لرؤاهم ومقترحاتهم وأفكارهم خاصة فيما يتعلق بحل إشكالية محدودية الموارد وتعظيم التصدير وجذب الاستثمارات، وتوطين الصناعة، ودفع ودعم وتشجيع القطاع الخاص، بدلاً من التشنج والهجوم والانتقاد غير الموضوع.
أقترح على الدكتور مدبولى الآتى.. أولاً: إنشاء صندوق قومى للأفكار والرؤى والمقترحات من كافة فئات الشعب، بل والإبلاغ عن أى تقصير أو أخطاء أو فساد أو تراخ، ويتم فحص هذه المقترحات والرؤى والبلاغات بمنتهى الموضوعية على يد خبراء ومسئولين وليس فقط صندوقاً لفحص الشكاوى.
ثانياً: الإصرار على عقد لقاءات شهرية متفرقة سواء مع الخبراء والمتخصصين وذوى الكفاءات فى كافة المجالات، وأيضاً لقاء شهرى مفتوح وبدون خطوط حمراء مع الإعلام والمفكرين والمثقفين للوصول إلى سياق عام للفهم، والمشاركة، وتتعرف الحكومة على ما يدور فى عقول الناس والإعلام والمفكرين الذين أكثر اطلاعاً على ما يدور فى الشارع المصرى وشكواه ومعاناته بل وتساؤلاته.
تحيا مصر