تحدثنا الأسبوع الماضى عن دبلوماسية المياه واليوم نستكمل معاً الحكاية، وعليه فإنه إذا تم الاتفاق على ان فن الدبلوماسية يركز على ايجاد حلول مستدامة تستند إلى التعاون وإعادة صياغة التفكير القائل بضرورة فوز طرف وخسارة بقية الأطراف فى سرد النزاع، وبالتالي، فإن إحدى القضايا الأكثر إلحاحاً على صعيد دبلوماسية المياه تتمثل فى كيفية بناء إرادة سياسية كافية لدعم الحلول الوسط اللازمة للتعاون، دون تسييس القضية المتنازع عليها، وهذا يعنى ضمان وجود اتصال فعال بين المسارين التقنى والسياسى بمنأى عن التأثير السلبى للخلافات السياسية خارج نطاق المياه.
وعلى العكس من ذلك، فان تحديد اطر الخلاف العابر للحدود من الناحية الفنية فقط يحد من التركيز على الديناميات السياسية وديناميات السلطة الأساسية، علاوة على ذلك، من الضرورى وجود إرادة سياسية لدعم الاتفاقات المستدامة والتعاون طويل الأمد لكى يتم ايجاد حيز لإجراء دراسات تقنية مشتركة وتبادل البيانات واستكشاف المنافع المتبادلة للإدارة الجماعية للموارد المائية المشتركة.
لكن ما يهمنا هنا علاقة الدولة المصرية بهذا المفهوم وكيف تعاملت معه والإجابة سوف تأتى خلال الرصد التالى حيث عملت مصر على مدار علاقاتها مع دول حوض النيل منذ عهد محمد على مؤسس مصر الحديثة على استعمال هذا المفهوم قبل ظهوره فى التسعينيات حيث ساهمت فى إنشاء خزان إوين بإوغندا ..
القصة تعود إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، عندما وقعت مصر عام 1929 مع بريطانيا العظمى اتفاقية النيل، التى نصت على تحريم إقامة أى مشروع من أى نوع على النهر أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر.
وخصّت الاتفاقية من هذه المشروعات أى منشآت لها علاقة بالرى أو توليد الكهرباء أو إذا ما كانت تؤثر على كمية المياه التى كانت مصر تحصل عليها أو إذا كانت تضر بمصلحة مصر من أية ناحية، وكانت اتفاقية 1929 تنص على أن لمصر الحق فى الرقابة على طول مجرى النيل من منبعه إلى مصبه، وفى إجراء البحوث وكذلك الرقابة على تنفيذ المشروعات التى قد تفيد القاهرة، لذلك فإنه عندما أرادت أوغندا بناء خزان على بحيرة فكتوريا لحفظ المياه وتوليد الكهرباء، تولت مصر تنفيذ المشروع، وأيضا فى ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية «الاتحاد الأفريقي»حاليا، وهو ما يمكن وضعه ضمن إطار مفهوم الدبلوماسية المائية.
إذا انتقلنا إلى مرحلة ثوره يوليو والزعيم الراحل جمال عبد الناصر قائد حركة التحرر فى إفريقيا نجد انه كان يقدم الدعم لكافة دول القارة الأفريقية للحصول على استقلالهم، كما كان حريصا على خصوصية العلاقة بين مصر ودول الحوض، وتقدير زعمائها، ويكفى ان نعرف انه عند الإعلان عن إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية فى ستينات القرن الماضى «الاتحاد الأفريقى حاليا «أصرّ ان يكون المقر الرئيسى للمنظمة بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، بدلا من القاهرة باعتبارها عاصمة تحرير أفريقيا، وهو ما يعنى ايضا خلق علاقات متنوعه للحفاظ على حقوق مصر فى مياه النيل، وأيضاً ايجاد تواصل مستمر لضمان هذه الحقوق وفقاً للاتفاقيات الدولية الموقعة وقت الاستعمار البريطاني–الفرنسي–الإيطالي.
وتتوالى السنوات وتتنوع العلاقات بين دول حوض النيل لتعلن مصر فى التسعينيات عام 1994 عن عقد مؤتمر سنوى تحت عنوان «النيل 2000» وبدايته كانت بالقاهرة تحت رعاية الرئيس الراحل حسنى مبارك، ونظمته وزارة الرى المصرية وقت الراحل عبد الهادى راضي.
…. وللحديث بقية