بـدأ العمـل
> تلقى السادات كلمات جمال عبدالناصر وأخذ يفكر فيها.. إذا كنا نجحنا فى معركة ثورة يوليو.. ألا ننجح فى معركة إصدار صحافة يوليو؟ قبل أنور السادات التحدى وبدأ فى إعداد «الجهاز الكبير» الذى سيصدر الجريدة.. فكر فى الصحفيين الذى يتعاونون معه وفكر أيضاً فى المكان الذى سيبدأ منه العمل.. فاستأجر شقتين فى عمارة بشارع شريف وسط القاهرة وتم تجهيزهما وبدأ يستقبل الصحفيين المرشحين للعمل ومعه حسين فهمى رئيس التحرير.
> ثم بدأت المشاكل تتوالي.. أين المطبعة التى ستطبع الجريدة.. وأين الدار التى ستضم العاملين فيها.. وأين الورق اللازم لها.. وتمكن أنور السادات من توقيع عقد لشراء دار جريدة الزمان.. وهى جريدة مسائية كانت تصدر فى تلك الأيام.. وبعد أن ظن انه ضمن طبع الجريدة فى مطابع الزمان اتضح انه لا توجد بها ماكينات جمع صفحات الجريدة ومقالاتها ولا توجد بها ورشة حفر للكليشيهات للصور والعناوين.. كما ان المطبعة كانت تطبع صحفا أخرى ولا يمكن الاعتماد عليها فى الطبع.. كما ان الدار نفسها لا تتسع للمحررين والإداريين.
> وبدأت المسائل تتعقد حتى جاء الحل فى شراء معدات جريدة «الأساس» وكان محجوزا عليها.. اشتراها بماكيتات الجمع وورشة الحفر.
> وبدأ تظهر مشكلة الورق.. فكميات الورق المطلوبة لا توجد فى مصر.. ولابد من التعاقد مع شركات الورق فى السويد أو النرويج.. وحتى لو تعاقد فالتوريد سيأخذ شهورا واستطاع السادات أن يحل المشكلة بإيفاده مدير الإدارة إلى السويد والنرويج والذى نجح فى التعاقد على الكميات المطلوبة.
ثوار لا صحفيين
> وبدأت مرحلة إجراء البروفات وتجارب تصميم ماكيتات الجريدة واختيار الماكيت الأفضل والانتقال إلى مرحلة اعداد وتحضير المادة الصحفية.
> ويقول السادات: كان علينا أن نكون ثوارا لا صحفيين.. والوقوف إلى جانب الأحرار فى مصر وخارج مصر.. ويقول كان علينا أن نثور على صفحات «الجمهورية» مثلما ثرنا فى الميادين الأخري.. وبدأ فى ارسال الصحفيين من الجريدة إلى مختلف أنحاء العالم بداية من الهند الصينية ليظهر أنباء المعارك بين شعبها وبين المستعمرين.. وإلي ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية وإلى تونس وإلى يوغوسلافيا.. وإلي أماكن أخرى كثيرة لكى ينقلوا أنباءها إلى قارئ الجريدة.. واستطاع الاتفاق مع الزعيم اليسارى البريطاني «أنورين بيفان» لكى يكتب للجمهورية.. وكان نصرا صحفيا للجمهورية.
صحافة الثورة
> وفي مذكراته يسجل خالد محيى الدين اهتمام عبدالناصر بأن تكون للثورة صحافتها واهتمامه بالصحافة بشكل عام.. يقول خالد محيى الدين: حرص عبدالناصر على إصدار جريدة جديدة تكون لسان حال الثورة وصدرت مجلة «التحرير».. لكن كثافة الوجود اليسارى فيها ثم التصادم مع ثروت عكاشة وحمروش جعلا عبدالناصر يتجه لإهمال مجلة «التحرير» وإصدار جريدة يومية هي «الجمهورية».. واختار لها رئيس تحرير لامعاً هو حسين فهمي.. وكان حسين فهمى في ذلك الحين واحدا من أقرب المقربين إلى عبدالناصر.. وتولى السادات مسئولية الإدارة في «الجمهورية».. وكان عبدالناصر يتوجه كل مساء إلى دار «الجمهورية» ليراجع بنفسه المانشيتات والعناوين الرئيسية ولعل هذا وحده يكفى للدلالة على مدى اهتمام عبدالناصر بالصحافة كوسيلة لمخاطبة الرأى العام!
> ويضيف خالد محيى الدين «وإذا جاز لى أن أستطرد قليلا فى هذا الموضوع فإنني أعود لأؤكد على الاهتمام المبالغ فيه الذي أبداه عبدالناصر دوماً للصحافة وقد ظل عبدالناصر طوال فترة حكمه حريصا علي أن يقرأ الطبعة الأولى من كل الصحف اليومية ويراجعها بنفسه ثم يصدر تعليمات فورية بأية ملاحظات يراها ليتم تعديل الطبعات التالية علي أساسها وعندما توليت مسئولية «دار أخبار اليوم» كان هناك موتوسيكل مخصص لإرسال أول خمس نسخ تصدر من الطبعة الأولى ليسرع بها إلى بيت عبدالناصر».
الزعيم
يراجع البروفات
> وأخيراً وصل أنور السادات إلى مرحلة إعداد بروفات الجريدة وكان يحملها إلى جمال عبدالناصر الذى يطلب منه محاولات أخرى ويعود إليه مرات ومرات ببروفات جديدة.. وأمضى فى عمل البروفات عشرين يوما حتى وصلت فى النهاية إلى الشكل المطلوب.. وبدأ الاستعداد للحظات الحاسمة التى تخرج فيها «الجمهورية» لأول مرة من مبناها فى شارع الصحافة إلى الجماهير في كل أنحاء مصر.. يصف أنور السادات لحظات استقبال «المولود الجديد».. كما سمى العدد الأول من «الجمهورية»:
ليلة العدد الأول
> واحتشد الآباء.. آباء المولود.. فى المطبعة.. أنور السادات.. حسين فهمى رئيس التحرير ومعهما العمال والمحررون والمصححون.. ووقفوا إلى جوار المطبعة الضخمة التى ستخرج منها نسخ المولود الجديد.. وكانت الساعة الثانية من صباح يوم السابع من ديسمبر 1953 حيث ضغط مهندس المطبعة علي «الزر الكهربائي» ودارت المطبعة وتلقف أنور السادات المولود الجديد بين يديه كأى أب استجابت السماء لدعائه.. وخرج من المطبعة إلى الشارع مع خيوط الصباح.. منتظرا صيحات الباعة ينادون علي «الجمهورية».. «الجمهورية».. > وفى الصباح الباكر كان أمام عبدالناصر فى بيته يحمل إليه المولود الجديد.. لقد صدرت الجريدة.. وانتصر السادات فى المعركة التى طلب منه جمال عبدالناصر أن يعتبرها معركة مثل 23 يوليو.. ولكن معركة الاصدار انتهت لتبدأ بعد ذلك معركة الاستمرار.. للاستمرار فى تحقيق الاهداف التى صدرت من اجلها الجريدة.. لتكون معبرة عن ثورة يوليو.. ولتكون صوت أمة تسعى إلى نيل موقعها الذى تستحقه.. ويخوض معركة كسب ثقة القاريء.. وهى معركة لا تتوقف.. وتتواصل تواصل الحياة.. واستمرارها. . > وهكذا كان السادات قد تلقى التكليف من جمال عبدالناصر باصدار الجمهورية 4 يوليو 1953.. خلال زيارته له فى المستشفى التى اجرى فيه عملية جراحية.. وامهله حتى يفكر فى الموضوع.. وعاد اليه في 6 يوليو ليتحدث عن صعوبة هذا التكليف.. فيأتيه تكليف آخر من جمال عبدالناصر بأن يعتبر الامر معركة مثل 23 يوليو.. وخلال خمسة أشهر صدرت الجمهوية في 7 ديسمبر 1953.
مقالات عبدالناصر و السادات
ومنذ يومها الاول تتزين صفحات الجمهورية بمقالات عبدالناصر والسادات وعدد من اعضاء مجلس قيادة الثورة إلى جانب كبار الصحفيين والكتاب والمفكرين والادباء.
> ووسط هذا ينبرى من يشكك فى ان انور السادات هو الذى يكتب مقالاته.. وهى اشاعة سخيفة لا تستحق الرد عليها.. فهو الوحيد بين بأعضاء قيادة ثورة يوليو الذى مارس الصحافة قبل الثورة كمهنة.. فعمل فى دار الهلال وروزاليوسف.. ولكن يتكفل بالرد على هذا د. محسن عبدالخالق والذى تولى مسئولية الادارة والاشراف على دار التحرير طوال اربع سنوات ونصف من خلال حوار معه نشره الزميل رشاد كامل وفيه يقول د. محسن عبدالخالق: ما شاهدته هو ان انور السادات كان يكتب مقالاته بنفسه وكانت مقالاته هى مشكلة المشاكل بالنسبة لجريدة الجمهورية، فقد كان طبع الجريدة يتأخر دائما بسببها، فقد كان السادات كثيراً ما يصل إلى مكتبه فى دار التحرير متأخراً ثم يبدأ فى كتابة المقال بعد انصراف الناس من عنده، وكانت سكرتارية تحرير الجمهورية تعين له ما يشبه الحارس يستلم مقاله ويذهب به إلى قسم الجمع مباشرة، وكنت ارى بنفسى مقالاته بخط يده، كما كتبها.. هذه كانت شكوى المطبعة من جراء تأخر السادات فى كتابة مقالاته.. فإذا ظهر بعد ذلك أن هناك من كان يكتب له مقالاته فالأمر إذن يحتاج من هؤلاء إلى توضيح اكثر بأدلة لا تقبل الشك.
> وشائعة اخرى حول التشكيك فى طريقة ملكية دار التحرير لشركتى الاعلانات المصرية والاعلانات الشرقية.. ويشهد على ذلك ايضا د. محسن عبدالخالق فى حواره مع الزميل رشاد كامل.. يقول: «وعقب خروجى من السجن فى مارس 1954 كنت اشرف على دار التحرير وبلا مرتب، وامر بمرحلة التكيف القانونى او مرحلة التقنين الوضعى العام او الوظيفي، وذات يوم كنت ازور صديقى عبدالحميد سراج الدين ــ رحمه الله ـ وكان يشغل وقتها رئيس مجلس ادارة بنك القاهرة، واثناء جلستنا دخل علينا الامير «عبدالمحسن بن عبدالعزيز» ــ رحمه الله ــ وتجولنا فى حديثنا يميناً ويساراً، وبعد فترة من الوقت همس لى بأن لديه حافظة مالية مدينة للبنك وينصحنى بشرائها، وسألته عن طبيعة هذه الحافظة، فقال لى إنها حافظة مدينة بمبلغ 125 الف جنيه للبنك، وانه اتصل كتابياً بإدارة الاموال المصادرة «عبدالشافى عبدالمتعال باشا» التى ردت عليه بالتصرف فى الحافظة وتسديد المديونية، ونصحنى بشرائها، بل ابدى استعداد البنك لاعطائى قرضاً بقيمة الدين «أي 125 الف جنيه» وذلك بضمان هذه الحافظة مع الضمان الشخصى له، اى ان معنى كلامه ان احل محل المدين فى التزاماته وفى ملكيته للحافظة ووافقت بعد ان شرح لى عبدالحميد سراج الدين محتويات هذه الحافظة وقوة مكوناتها، وكان اهم ما فيها 7 الاف سهم من اسهم بنك القاهرة نفسه بسعر اسمى قدره اربعة جنيهات، ولكن كان من المتوقع ان يصل سعره فى السوق إلي 14 جنيهاً وحوالى اربعة آلاف سهم من اسهم بنك التجارة، وبضعة آلاف من اسهم الشركة الانجليزية للزيت.. ولكن كان اهم ما فى هذا الموضوع برمته، ان من محتويات هذه الحافظة كافة اسهم شركة الاعلانات المصرية، وكافة اسهم شركة الاعلانات الشرقية وشركة التوزيع المصرية، بالطبع كانت شركتا الاعلانات المصرية والشرقية معروفتين لدينا فهما مملوكتان لليهود «عائلة فيني» وسبق أن ألقيت عليهما احدى القنابل».
> ويواصل د. محسن عبدالخالق حديثه: «واتفقت مع الصديق عبدالحيمد سراج الدين على موعد للتوقيع بعد ان يقوم محامى البنك بإعداد كافة العقود والتنازلات حتى تصبح المسألة قانونية، إلا أننى فجأة تنبهت وسألته عن مالك هذه الحافظة فإذا به يخبرنى انها ملك محمود أبوالفتح.
>ويتابع د. محسن عبدالخالق: »أذكر هذه القصة لأنه غير صحيح بالمرة ما كان يقوله أحمد أبوالفتح من أن الثورة استولت على شركتى الإعلانات الشرقية والمصرية. وان جمال عبدالناصر قد حصن نفسه فى هذا الموضوع بقرارات وحصانات قانونية يصعب النفاذ إليها وأظن أن بنكاً كبنك القاهرة لا يزال يحتفظ بمثل هذه المستندات»..إذن جمال عبدالناصر نفسه لم يكن يعلم حتى بوجود حافظة، والقصة كلها لم تخرج عن كونها تطوراً طبيعياً تلقائياً قام به عبدالحميد سراج الدين لحماية مصالح بنكه!
مدرسة المبدعين
> وفى هذا الإطار وصف الراحل د. يوسف ادريس الجمهورية بأنها «مدرسة تخريج المبدعين والمشاغبين والذين لهم لون وطعم خاص».. وهو دور واصلته حتى اليوم حيث أمدت الجمهورية زميلاتها من الصحف المصرية بكثير من كتابها وصحفييها وكوادرها الذين أسهموا فى دعم صفحات هذه الصحف وكذلك اصدار بعضها.
> وتحظى صفحات الجمهورية عبر تاريخها الطويل بشرف احتواء الإنتاج الغزير لقوة مصر الناعمة من قمم الأدباء والمثقفين والمفكرين.. وهى كنوز لابد من أن ترى النور لأجيالنا التى لم تتح لها قراءة هذه الكنوز.
> ولقد أصدرت الجمهورية فى الاحتفال بعيدها الخمسين ملحقاً يومياً في 4 صفحات لنحو أربعين يوماً وكان لى شرف إعداد وتقديم هذا الملحق.. وقد احتوى على نماذج من هذه الكنوز مع أحداث الأعوام الخمسين السابقة.
> وقد أوحت لى هذه الفترة من خلال القراءة فى هذا التراث العظيم أن أقدم للجمهورية سلسلة جديدة من الكتب الشهرية تحت عنوان «تراث الجمهورية»..وأحمد الله أنى استطعت أن أقدم فى هذه السلسلة 68 كتاباً صدرت شهرياً منذ يناير 2006 قمت بإعدادها وتحقيقها والتعليق عليها.. ولم تتوقف إلا بعد ان توقف التمويل مع أحداث يناير 2011.
« الجمهورية » وقراؤها
أود أن أذكر هنا بعض كلمات قالها عن «الجمهورية» عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وهو يتحدث عما تنشره الجمهورية.. وعن واجب الصحافة المصرية بشكل عام.. حيث قال: «ان الجمهورية تنشر الكثير ممما ينتفع به قراؤها من أوساط المثقفين ومن الذين لم تتح لهم ظروفهم أن يتعلموا أو أن يمضوا فى تعليمهم إلى أبعد مما ألقى عليهم فى المدارس الأولية».
ويقول د. طه حسين عن دور الصحف اليومية: «إنها لا ينبغى أن تهبط إلى القراء.. وإنما ينبغى أن ترتفع بهم من الجهل إلى المعرفة.. ومن السخف إلى الجد، فهى أدوات رقى فى البيئة الاجتماعية وليست أدوات انحطاط، وليست كذلك وسائل اقرار ما هو كائن، وإنما هى قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء وسائل التثقيف والتهذيب وإذكاء الطموح فى نفوس القراء إلى أعظم حظ ممكن من الرقي».
وتأكيداً لما قاله د. طه حسين فإن أول الملاحق المتخصصة الأسبوعية التى أصدرتها الجمهورية منذ أسبوعها الأول، كان الملحق الثقافى والأدبي.. وكان يكتب فيه أعلام الفكر والأدب والثقافة.. كما أصدرت كذلك ملحقها الفنى وتوالت ملاحقها فى المرأة والرياضة والحوادث ثم التعليم.
قالوا
عنها
> وأنهى هذا التقرير بكلمات عن «الجمهورية».. قيلت فى مناسبات مختلفة لعدد من قامات الأدب والفكر والثقافة.. حول ما قامت وتقوم به الجمهورية لأبناء وطنها.. وهى كلمات لقمم.. بعضها رحل إلى رحاب الله.. ونتمنى للآخرين طول العمر
> قال المؤرخ د.عبدالعظيم رمضان «إن تاريخ الجمهورية هو تاريخ الشعب المصرى وذلك يبدو منذ عددها الأول حيث نرى انحياز الجمهورية للشعب والمواطن.
> الشاعر الكبير محمد التهامي، أحد رواد الجمهورية قبل صدورها وبعد الصدور.. قال «إنها كانت منذ صدورها ثورة فى عالم الصحافة وساهمت فى تغيير حياة المصريين كما انها جريدة رأى وخبر.. وحرصت تماماً على التوازن بين الخبر والرأي».
> الدكتور مرعى مدكور أستاذ الإعلام قال «إن الجمهورية تجاوزت كونها جريدة الثورة، أصبحت هى بذاتها ثورة صحفية وثورة اجتماعية وثورة ثقافية».
اختيار اسم
الجمهورية
> وقد لا يعرف الكثيرون ان الاسم الذى كان مقترحاً لاصدار جريدة تنطق باسم ثورة 23 يوليو هو اسم «التحرير».. وقد اختارت الثورة هذا الاسم لأول مجلة تصدرها وهى مجلة التحرير.. ولكن إلغاء النظام الملكى فى مصر وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953 كان وراء اختيار الاسم الجديد! وكان حسين فهمى أول رئيس تحرير للجمهورية هو صاحب اقتراح اسم «الجمهورية» على جمال عبدالناصر.. فوافق عليه.. وقد صدر ترخيصها في 14 يوليو 1953 باسم جمال عبدالناصر.
> وقد وقع جمال عبدالناصر طلب اصدار الجمهورية مرتين، الأولى وقع بصفته نائباً عن هيئة التحرير، وهى أول تنظيم سياسى لثورة يوليو.. وقد وضع اسمها أمام خانة صاحب الجريدة.. وكان جمال عبدالناصر هو السكرتير العام لهيئة التحرير.. أما المرة الثانية التى وقع فيها جمال عبدالناصر طلب الترخيص باصدار الجريدة فقد كان باعتباره أيضاً صاحب الجريدة.. وفى نفس الوقت وقع أنور السادات باعتباره الضامن.. بعد أن سدد مبلغ ثلاثمائة جنيه ضمانة الطلب كما كانت محددة فى ذلك الوقت.
> ولعل من هنا جاء اصرار البعض على أن هيئة التحرير كانت مالكة جريدة «الجمهورية».. وهو قد يبدو صحيحاً من حيث الشكل عند صدور الترخيص.. ولكن هذا الأمر انتهى تماماً بعد أن تم انشاء دار التحرير للطبع والنشر في 12 أغسطس 1954.. أى بعد أقل من شهر من صدور ترخيص الجمهورية لتصدر عنها «الجمهورية».. وتحمل «ترويسة» العدد الأول بيانات الناشر والمدير العام ورئيس التحرير.. فتذكر ان «الجمهورية» تصدر عن دار التحرير للطبع والنشر بمقرها بشارع الصحافة.. كما تذكر أن المدير العام هو أنور السادات.. وقد تغير هذا فيما بعد إلى صفته كرئيس لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر.. أما رئيس التحرير الأول للجمهورية فكان هو حسين فهمي.
> الفنان طوغان رسام الكاريكاتير الذى شارك فى تأسيس الجمهورية قال «إن الصحف المصرية قبل ظهور الجمهورية كانت بعيدة عن الناس ولا تعكس ما تشهده مصر من أحداث كبري.. وظهرت الجمهورية لتواجه التواجد الإنجليزى فى القناة وتدعم نضال الشعب المصرى والعربى ضد الاستعمار».. وهذا ما يتكرر الآن.. فالجمهورية تبث روح النضال فى الشعب لمقاومة الهجمات الشرسة التى يتعرض لها عالمنا العربى..
> الدكتور صفوت العالم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام قال «إن الجمهورية استوعبت مبكراً الدور المنتظر لوسائل الإعلام ولم تقف عند حدود نقل الأخبار بل قدمت الخدمات للقارئ أينما كان وعبرت دائماً عن اهتمامها بالقارئ قبل أى شيء».
> الكاتب الصحفى أحمد عباس صالح أحد الأعمدة المؤسسة للجمهورية قال «منذ الأعداد الأولى اذكر أن الجمهورية أحدثت تغييراً جوهرياً فى الصحافة المصرية والعربية ووضعت معايير جديدة للعمل الصحفي.. وأشار أحمد عباس صالح إلى دور أساسى قامت به الجمهورية منذ نشأتها.. حيث جاءت بعد إلغاء الأحزاب وقد اجتمعت فى الجمهورية رموز التيارات السياسية المصرية وقدمت عبر صفحاتها جسورا للحوار بين تلك التيارات والجماهير.. وقال عباس صالح إن «الجمهورية» فى بداية اصدارها تجاوز توزيعها 180 ألف نسخة يومياً.. بينما كانت باقى الصحف لا تتجاوز 18 ألفاً».
> واضيف أنا من عندي: ان الجمهورية فى سنواتها الأولى كان تنشر إعلانات لمجلات من دور صحفية أخرى تدعو إلى قراءة اصداراتها من المجلات.. هذا دليل على سعة انتشار «الجمهورية».
معقل الأدباء والمفكرين
> يرتبط تاريخ الجمهورية باثنين من رؤساء مصر.. جمال عبدالناصر.. وأنور السادات.. وكما قلنا صدر ترخيص اصدار «الجمهورية» في 14 يوليو 1953 يحمل اسمى الرئيسين.. عبدالناصر صاحب الجريدة.. وأنور السادات هو الضامن له.
> وقد كانت الجمهورية معقل الأدباء والمفكرين والمثقفين والفنانين منذ أيامها الأولي.. وكذلك شباب الأدباء ويكفى أن يكون على رأس كتابها منذ عددها الأول عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.. الذى أصبح فيما بعد رئيساً لتحريرها لعدة سنوات.. وقد كتب وتحدث إلى الجمهورية توفيق الحكيم وعباس العقاد ولويس عوض وعزيز أباظة وسهير القلماوى وعبدالرحمن الشرقاوى ود. يوسف أدريس ومحمد مندور ومحمود تيمور وعلى أحمد باكثير وعبدالرحمن الخميسى وسعد الدين وهبة ورجاء النقاش وأمين يوسف غراب ومحمود البدوى ومحمد عبدالحليم عبدالله. ود. عبدالحميد يونس ود. عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم ود. محمد أنيس وبيرم التونسى وكامل الشناوى وإسماعيل الحبروك وعلى الراعى وأنور عبدالملك وألفريد فرج وزكى طليمات ويوسف وهبى والقائمة طويلة.. وهى تطول أكثر مع احتضان الجمهورية لنخبة من المواهب الشابة فى ذلك الوقت مثل عبدالرحمن الأبنودى ونعمان عاشور ويحيى الطاهر عبدالله ومحمد صدقى وكثيرين غيرهم.
> الكاتب الصحفى محمد عودة والذى شارك أيضاً فى تأسيس الجمهورية قال «إن هناك قولاً مأثوراً يقول إن الجريدة غير المرأة، وكلما ازدادت الجريدة عمراً ازدادت شباباً.. وهذا ينطبق على الجمهورية التى تفيض حيوية وتعيش نبض الجماهير وتعكس صوت من لا صوت لهم وهى أقرب إلى وجبة إفطار سياسية وروحية وفكرية للمواطن يومياً».
> وأقول أنا أيضاً إن الجمهورية كانت صاحبة مبادرات رياضية ميزتها دائماً عن الصحف الأخري.. ويحتوى العدد الأول من الجمهورية على صورة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع بطل مصر فى الاسكواش محمود عبدالكريم فى مناسبة سفره لتمثيل مصر فى بطولة العالم على نفقة الجمهورية.. وكان الاهتمام بالرياضة فى الجمهورية سابقاً بكثير لما تفعله باقي الصحف.. وملاحقها الرياضية منذ ظهرت وحتي الآن كانت نقلة كاملة فى الصحافة الرياضية.
> د.كمال درويش، أكد أن الدور الرياضى للجمهورية علامة بارزة فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية.. وهى رائدة الإعلام الرياضى المبتكر وانفردت باصدار الملاحق الرياضية المتميزة التى توفر خدمة إخبارية جيدة ومحايدة ومقالات عميقة.. مع اهتمامها بالألعاب الفردية والمواهب الجادة فى الفرق والمناطق الشعبية وجرأتها فى تناول قضايا الساعة.
> د.أحمد مرسى قال إن الاحتفاء بدور الجمهورية الثقافى يتطلب منا العودة إلى هذا التراث الخالد والمؤثر فى مسيرة مصر كلها .. وقد جمعت على صفحاتها منذ اليوم الأول لها أشهر رموز الفكر والأدب والثقافة المؤثرة فى مسيرة الفكر العربي.. وهو ما يعكس. مصداقيتها منذ العدد الأول وعندما تقرأ هذا كله تدرك بصدق مدى تأثير «الجمهورية» منذ العدد الأول.. فى حياة مصر كلها بصفة عامة والثقافة بصفة خاصة.
> الأديب عبدالعال الحماصى قال إن أدباء مصر يدينون بالكامل إلي «الجمهورية» بالفضل باعتبارها العامل الأساسى الذى دفع بهم إلى ساحة الثقافة وهى رائدة الصحافة الأدبية بلا منازع وهناك مجالات ثقافية كثيرة ولدت في «الجمهورية» فقد كانت أول نافذة لنا على الأدب الافريقى وفي «الجمهورية» تشكلت ملامح حركة الأدب فى الأقاليم.. وعلى صفحاتها أيضاً انطلق جيل الستينيات بأكمله.
> الكاتب الروائى محمد مستجاب قال إنه بدأ حياته الإبداعية.. على صفحات «الجمهورية».. وكانت منذ صدورها منبراً لمسيرة حركة التنوير فى مصر.. ويمكن أن نقول إن «الجمهورية» استعادت لشعب مصر عقله الحر وروحه المبدعة وهمته العالية.
> الكاتبة فوزية مهران قالت إن المسيرة الثقافية للجمهورية تميزها عدة علامات منها أنها تفتح الأبواب دائماً أمام الشباب وفتح الفرص للجميع.. وتحرص على تواصل الأجيال وقادرة على صناعة النجوم فى مجال الفكر.