ما زلنا فى أجواء الاحتفال بذكرى نصر السادس من أكتوبر 1973م- العاشر من رمضان 1393هـ، هذا النصر الذى لم ينل حقه حتى الآن من الدراسات المتعمقة والأعمال الدرامية، رغم مرور نحو 52 عاما على تحقيقه ورغم النتائج الهائلة التى ترتبت عليه بما فيها تحرير سيناء وفرض السلام على الكيان الصهيوني، وتحقيق نظرية الردع لإسرائيل بعدم الاقتراب من الحدود المصرية أيا ما كانت الأسباب والظروف، ويكفى فى هذا الصدد أن نراجع فظائع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة خلال نحو 18 شهرا، وكيف تصدت مصر لمخطط إسرائيل بإبادة سكان القطاع وتهجيرهم وتصفية القضية الفلسطينية، لقد نجحت مصر بكل المقاييس فى فرض إرادتها على الجميع بفضل حكمة وبراعة قيادتها السياسية وقوة جيشها ووحدة شعبها وصلابة أمنها وجبهتها الداخلية.
وليست مبالغة فى أن نصر «أكتوبر- رمضان» يشكل إحدى المعجزات العسكرية فى تاريخ الحروب التقليدية بالقرن العشرين، فى ظل تعقيدات دولية كثيرة يعرفها كل من عايش تلك المرحلة الصعبة من تاريخ مصر، وفى ظل وجود مانع مائى ضخم بحجم قناة السويس، وساتر ترابى يزيد ارتفاعه فى بعض النقاط على 20 مترا ثم خط بارليف الحصين والذى كان يضم 23 نقطة حصينة بطول الضفة الشرقية للقناة، وهنا نلفت الانتباه إلى بعض معجزات القوات المسلحة المصرية خلال الحرب وأهمها: تجاوز هذه المعوقات « المستحيلة» الثلاثة خلال ساعات، وبث الرعب فى قلوب جنود الإحتلال، والتغلب على أسلحة إسرائيل الحديثة، وتحرير قطاع كبير من سيناء وسط انهيارات كبيرة بين صفوف جيش الاحتلال، وارتباك وبكاء قادته واستنجادهم بالغرب لإنقاذ إسرائيل من الدمار والفناء.
وحقيقة فإن وراء هذا النصر العظيم عوامل عديدة بداية من إعادة بناء القوات المسلحة على أسس علمية حديثة بعد مؤامرة 1967، مرورا بالتخطيط والتدريب وتأهيل المقاتلين على العبور والاقتحام، وصولا إلى الالتحام مع قوات العدو والتصدى لنيرانها بقوة وجسارة، وهنا نتوقف عند نقطتين مهمتين، الأولي: تتعلق باعتراف قادة الجيش الإسرائيلى أنفسهم بأن المفاجأة الحقيقية فى حرب «أكتوبر- رمضان» كانت المقاتل المصرى وشجاعته خلال القتال، والنقطة الثانية: هى عبقرية اختيار ساعة الصفر لشن الحرب من جانب القوات المسلحة المصرية فى الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر- العاشر من رمضان، فقد كان اختيار هذا التوقيت جديدا على المدارس العسكرية ومن ثم فقد تسبب فى صدمة مذهلة لجيش الاحتلال، كما أن شن الحرب فى شهر رمضان، كان له مفعول السحر لدى المقاتلين المصريين فى التفانى فى القتال والاستعداد الدائم
تقول أوراق النصر المجيد إن شن الحرب فى شهر رمضان الفضيل، رفع من الروح المعنوية لدى المقاتلين المصريين وزاد من إيمانهم بالله سبحانه وتعالى وبالوطن وبحتمية استرداد سيناء التى تحتلها إسرائيل، وظهر ذلك جليا فى تمسكهم بالصيام خلال العمليات وانطلاق حناجر الضباط والجنود خلال العبورمرددة « الله أكبر» متحدية فى ذلك قنابل ودانات مدفعية العدو وسقوط عدد كبير من الشهداء، كما كان لرفع أول علم مصرى على إحدى النقاط الحصينة فى سيناء أثره البالغ فى ترديد النداء الأعظم «الله أكبر» الذى كان يهز أرجاء الجبهة فى سيناء ويبث الخوف والرعب فى وجدان الإسرائيليين، وقد استمر ترديد هذا النداء طوال فترة الحرب فيما خرجت حكايات من أفواه ابطالنا فى سيناء عن معجزات إلهية كثيرة ساهمت – من وجهة نظرهم- فى دحر العدو وتحقيق الانتصار.
هكذا أكدت حرب «أكتوبر- رمضان» شجاعة وجسارة وإيمان المقاتلين المصريين، تلك الصفات التى ظهرت بوضوح خلال العصور القديمة والوسطى وفى كل المهام التى تم تكليفهم بها بعد الحرب والانتصار فى تاريخنا الحديث، وأخطرها محاربة التنظيمات الإرهابية فى سيناء، ونذكر جميعا ما تعرضت له قواتنا المسلحة من عمليات إرهابية خلال شهر رمضان المبارك أثناء الحقبة السوداء لحكم جماعة الاخوان الارهابية وما تلاها فى العقد الماضى وسقوط مئات الشهداء خلال أداء مهامهم العظيمة فى الدفاع عن الوطن ومقدساته إلى أن تم تحرير سيناء كاملة من الإرهاب، وفى هذا السياق لابد من الإشارة لاعترافات أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وأنه شارك فى عمليات مسلحة فى عدد من الدول العربية والأجنبية، وانه لم يجد مقاتلا فى جسارة وشجاعة الجندى المصري، وتمسكه بأرضه فى مواجهة أية عمليات قتالية مهما كانت صعوبة القتال ومهما بلغت التضحيات.
فى الأخير، فإن بطولات القوات المسلحة المصرية تحتاج لآلاف الصفحات التى تبرهن على عبقريتها وشجاعة مقاتليها، كما تحتاج لعشرات الأعمال الفنية التى تؤكد للشباب والأجيال الجديدة أن الجيش المصرى هو الضمانة الكبرى للأمن والاستقرار فى الماضى والحاضر والمستقبل القريب والبعيد.