شاى بالحليب على قهوة فى الضاهر هناك.. نسمة عصارى السيدة ودير الملاك.. نشع الرطوبة فى الجدار.. ولا شمس مغرقة برد النهار.. ولا أمك.. ولا أختك.. ولا عساكر دفعتك والرملة نار».. هل كان مدحت العدل يقصد ذلك المقهى الواقع «فى الضاهر»، بجوار مسجد الظاهر بيبرس، حين أشار إلى مكانه فى الأغنية التى غناها محمد فؤاد ولحنها الراحل أحمد الحجار ضمن أحداث فيلم «أمريكا شيكا بيكا» الذى عُرض عام 1993؟.. ربما!.. لكن «قشتمر» «يقينًا» هو المقهى نفسه الذى كان يسكن فى مواجهته نجيب محفوظ، واعتاد ارتياده وخلد اسمه بروايته الأخيرة التى صدرت عام 1988، ويتناول من خلالها محفوظ فكرة الزمن وتأثيره على الأفراد، وهى الرواية التى اتخذت من مقهى قشتمر مركزًا للأحداث وتحولت لمسلسل تليفزيونى أُنتج عام 1993.
والحديث عن «قشتمر» يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحديث عن قصة الظاهر بيبرس، أو «السيرة الظاهرية» التى تحولت إلى ملحمة هى الأضخم بين ملاحم الأدب الشعبى العربي، إذ تم تجميعها فى 16000 صفحة، والتى تمزج بين الوقائع التاريخية والخيال الشعبي، وكانت تُعزف على الربابة فى المقاهى وينشدها المنشدون أجزاء منها أمام مرتادى المكان.
ومقهى «قشتمر» ظل منذ تأسيسه، ملتقى للأدباء والمهتمين بالفنون طوال سنوات القرن الماضي، حتى خفتت أضواؤه حين غاب عنه أصحابه فى عام 2011، وغطى غبار خريف كثيف جدرانه المليئة بالذكريات، وكأنه يعيد إحياء فكرة نجيب محفوظ عن تأثير الزمن، حتى تم إحياؤه من جديد فى عام 2023، بعد ما يقرب من 12 عامًا من إغلاق أبوابه، ليظل محتفظًا بروحه العتيقة وألوانه نفسها، بعد أن تبدلت وجوه مرتاديه من الأدباء والفنانين بصور معلقة على الجدران، ومن بينهم ـ إلى جوار أديب نوبل ـ الروائى الكبير الراحل إحسان عبد القدوس وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذى عُثر على عقود تُثبت ملكيته للمقهى بحسب المالك الحالى قبل أن تؤول ملكيته إلى آخرين عبر عقود لاحقة.