المال مال الله حيث يقول سبحانه: «وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتاكُمْ»، ونحن مستخلفون فيه وعليه، حيث يقول سبحانه :»وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»، فمن شكر وأحسن الاستخلاف بأداء حق الله فى المال بورك له فيه وكان أجره عند الله عظيمًا، ومن كفر النعمة وجحد حقها كان ذلك إيذانا بزوالها وسوء عاقبة جاحدها، حيث يقول الحق سبحانه:»وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ».
وحق المال قسمان، الأول: الواجب المتمثل فى الزكاة والكفارات، والثاني: المندوب، ويتمثل فى الصدقات وسائر وجوه البر الأخري.
وعن حق الفقراء والمساكين فى المال يقول الحق سبحانه فى سورة الذاريات: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»، ويقول سبحانه فى سورة المعارج :»وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»، ويقول نبينا «صلى الله عليه وسلم» : «إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِى مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِى مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ الله مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِى مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» «سنن الترمذي».
ونحن على مشارف رمضان يجدر بنا الإسراع بأداء هذه الحقوق سواء ما كان منها واجبًا أم مندوبًا، فرمضان نفحة من نفحات الله لخلقه، فحرى بالأغنياء أن يخرجوا زكاة أموالهم فى رمضان أو فى استقباله سدا لحوائج الفقراء وبغية التعرض لمضاعفة الثواب فى هذا الشهر العظيم وفى هذه الأيام المباركة من شهر شعبان، أضف إلى ذلك التوسع فى الصدقات وإطعام الطعام الذى هو من أبرز سمات الشهر الكريم.
ولا شك أن العناية بالفقير والمحتاج تعد من أهم الأولويات، وقد دعانا نبينا «صلى الله عليه وسلم» إلى كفاية الفقراء وقضاء حوائجهم، فقال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِى الدُّنْيَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِى الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ»»سنن الترمذي»، وعنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ «صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ» فِى سَفَرٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يُصَرِّفُهَا يَمِينًا وَشِمَالاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ «صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ»:» مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِى الْفَضْلِ» «سنن أبى داود».
على أن مفهوم إطعام الطعام يشمل ما يقدم منه مطهيا وما يقدم جافا يطهيه الفقير وأسرته وفق حاجتهم.