للجوار حق عظيم ومتعدد الوجوه :فى الإسلام، وفى النسب، وفى السكن، وفى الإنسانية,حتى فى اللغة, ففيها الجر بالجوار أو المجاورة، ويمثلون له بقولهم : هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ، ومعلوم أن الخراب للجحر لا للضب ولكن كلمة خرب جُرت لمجاورتها لفظٍ مجرور وهو كلمة ضب التى هى مضاف إليه.
ويوصينا رب العزة- عز وجل- بكل أنواع الجوار خيراً، فيقول سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً» (النساء: 36)، ويقول نبينا – صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِى جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» (صحيح البخاري),وسأل أحد الناس عن نفسه أمحسن هو أو مسيء، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيء» (رواه الحاكم فى المستدرك), ويقول- صلى الله عليه وسلم- : «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قالوا: من يا رسول الله؟، فقال- صلى الله عليه وسلم- : «من لا يأمن جاره بوائقه» (رواه البخاري).
ومن حقوق الجار أنه إذا مرض عدته، وإن أصابه خير هنأته, وإن أصابته مصيبة عزيته, ولا تؤذه ولو بقتار قدرك- أى برائحة طبخك- فما بالك بصوت مذياعك أو تلفازك,أو حتى علو صوتك, أو الاعتداء على أى حق من حقوقه.
ويدخل فى ذلك الأذى المعنوى بعدم الوفاء بالالتزامات المشتركة كأمور الصيانة وحقوق المنافع المشتركة من مياه وكهرباء وإصلاح أو صيانة المصاعد والعناية بالحدائق المشتركة، ونحو ذلك.
وكذلك عدم الوفاء بالالتزامات المشتركة فى الحقول وشئون الزراعة كتطهير المساقي، وتعبيد الطرق أو إصلاح ماسورة مياه مشتركة أو خط كهرباء مشترك ونحو ذلك.
فالوفاء بهذه الأمور يتطلبه صحيح الدين، وكريم المروءة، وعظيم الإنسانية، والإخلال بها قدح فى التدين، وقدح فى المروءة والشهامة والنبل والإنسانية، مع ما يترتب على عدم الوفاء بتلك الحقوق والالتزامات من مشكلات اجتماعية كبيرة.
وإذا استقامت علاقة الجيران فى المنزل، والعمل، والسفر، استقام كثير من شئون حياتهم، وإذا اختلت علاقات الجوار اختل ميزان الحياة الاجتماعية والأمن المجتمعى وعاش الناس فى قلق واضطراب لا حدود له.
وكثيرا ما يكون الجار الغريب أقرب وأنفع من الأخ البعيد، فرب جار لك هو أخ لم تلده أمك، ومن ثم كانت وصية ديننا ونبينا بالجار، فإن لم تنفعه فكف شرك عن الناس، فكف الأذى عن الناس صدقة، يقول نبينا – صلى الله عليه وسلم-: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك» (متفق عليه)، وهو فى حق الجار ألزم.
ولبيان تعظيم حق الجار يقول نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم- : «ما زالَ يُوصِينِى جِبْرِيلُ بالجارِ حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ» (متفق عليه)، حيث يبين لنا النَّبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فى هذا الحديث أن جِبْرِيلَ عليه السَّلام ظل يوصيه- صلى الله عليه وسلم- بالجار والوفاء بحُقوقِه، ومُوَاساتِه فى حاجتِه، والصَّبرِ على أذاه، وعدم الإساءة إليه أو التقصير فى حقه، حتى ظن- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّ اللهَ تعالَى سيُشرِكُ الجارَ فى مِيراث جاره، تعظيما لحق الجوار.