التمويل بالصكوك.. استثمار ناجح .. و«رئة إضافية» للتنمية
خبراء: خطوة جريئة.. و«قرار فى وقته».. وكفاءة فى إدارة الأصول
لا خلاف على أن حُسن استغلال أصول الدولة وخلق موارد مستدامة جانب أساسى فى معادلة النمو الاقتصادى ويتفق الخبراء والمتخصصون على ضرورة تعظيم الاستفادة من الأصول الجامدة لخلق موارد تسهم بفاعلية فى تحسين الهيكل المالى للدولة، وفى خطوة جريئة تعكس الكفاءة فى إدارة الأصول وحسن استخدامها جاء القرار الرئاسى بتخصيص قطعة أرض مملوكة للدولة لصالح وزارة المالية لاستخدامها فى خفض الدين العام وإصدار الصكوك الأمر الذى يعكس تحولا حقيقيا نحو معالجة قضية الدين العام بالاعتماد على الموارد الذاتية وتعظيم الاستفادة من الأصول بمفهوم استثمار الأصل مع الاحتفاظ بالملكية.
يرى دكتور محمود جمال حجازى الباحث الاقتصادى أن إصدار رئيس الجمهورية قراراً بتخصيص مساحة أرض مملوكة للدولة فى محافظة البحر الأحمر، لتؤول ملكيتها لوزارة المالية لا يمثل مجرد إجراء إدارياً، بل هو استراتيجية محورية تهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية كبرى من خلال تعزيز القدرة التمويلية للدولة عبر أدوات مبتكرة مثل الصكوك، مشيراً إلى أن القرار سيساهم فى استدامة ومرونة الموازنة العامة، مما يصب فى صالح الاستقرار والنمو الاقتصادى لمصر على المدى الطويل.
وتابع أن هذا القرار يعزز الثقة المالية ويمثل رسالة قوية للمستثمرين المحليين والدوليين بقدرة الدولة على ابتكار حلول لخفض الدين العام، من خلال تخصيص أصول ذات قيمة عالية تدعم أدوات الدين وتعزز الثقة فى الملاءة المالية لمصر.
وأوضح أن الصكوك أداة تمويلية مهمة تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.. لافتاً إلى أنه مع وجود أصول مملوكة لوزارة المالية يمكن استخدامها كضمان أو كأصل أساسى لإصدار هذه الصكوك، مما يجذب شريحة أوسع من المستثمرين، خاصة فى أسواق التمويل الإسلامى المتنامية عالمياً مضيفا أن الاصول ذات القيمة الكبيرة فى منطقة واعدة كالبحر الأحمر توفر أساساً قوياً لإصدار صكوك ذات جاذبية عالية.
وأشار إلى أن هذا النوع من الإجراءات يسهم فى تحسين النظرة المستقبلية والتصنيف الائتمانى للدولة. فكلما تراجعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وزادت قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها عبر آليات مبتكرة، انعكس ذلك إيجاباً على تقييم وكالات التصنيف، مما يقلل من تكلفة الاقتراض المستقبلي.
وتابع أن نجاح إصدار الصكوك المدعومة بأصول يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة إلى السوق المصرية، مما يدعم استقرار سعر الصرف ويزيد من تدفقات النقد الأجنبي.
أكد أن التحول من ديون تقليدية إلى صكوك مدعومة بأصول يقلل من المخاطر المرتبطة بالدين ويحسن من هيكل الدين العام، موضحا أنه عندما تصدر وزارة المالية صكوكا سيادية، ستكون هذه المساحة من الأراضى فى البحر الأحمر هى الضمان لها وتستخدم الحصيلة المالية مباشرة فى سداد جزء من الديون الحكومية القائمة، سواء كانت داخلية أو خارجية.
وتابع أن سداد جزء من الدين العام باستخدام حصيلة الصكوك يؤدى مباشرة إلى خفض إجمالى حجم الدين، مما ينعكس إيجاباً على نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي، وهى أحد أهم المؤشرات التى يراقبها المستثمرون ووكالات التصنيف الائتمانى كما سيتم من خلاله تخفيف عبء خدمة الدين على الموازنة مما يحرر جزءاً من موارد الموازنة العامة للدولة والتى يمكن توجيهها نحو الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، أو استخدامها فى خفض العجز الكلى للموازنة، أو حتى توفير هامش مالى أكبر لمواجهة الصدمات الاقتصادية المستقبلية.
قال الدكتور عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ان تخصيص اصول مملوكة للدولة كالأراضى والعقارات لتحقيق عوائد اضافية وزيادة الموارد المالية هو استثمار حقيقى وتحويل اصول جامدة الى موارد حية ذات نشاط اقتصادى مشيراً إلى أن تخصيص أرض لصالح وزارة المالية، لا يعنى بيع الارض وإنما لاستخدامها كأصل تمويلى لإصدار صكوك سيادية.
وأوضح أن الصكوك السيادية هى أداة تمويل للحكومة كالسندات ولكنها تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لافتاً إلى أن المستثمرين فى الصكوك سيدفعون مبالغ مالية كبيرة بالجنيه أو الدولار حسب عملية طرح الصك مقابل حق الحصول على الأرض لمدة تصل غالبا إلى 10 سنوات ويحصلون على قيمة إيجارية عن تلك الأرض كبديل عن الفائدة وبعد انتهاء مدة الصك تؤول الملكية للدولة.
وأكد أن العمل بنظام الصكوك يعكس حسن استغلال الاصول بدلا من تجميد الاراضى ليتم توظيفها فى تمويل مشروعات تنموية، أو تقليل الديون وتخفيف الأعباء وتقليل العجز فى الموازنة.
وتابع أن مصر أصدرت أول صكوكها السيادية بالدولار فى عام 2023 مستخدمة مبنى ادارى فى الحى الحكومى بالعاصمة الإدارية كأصل تم بقيمة 1.5 مليار دولار على مدى 3 سنوات والتى حققت تغطية بقيمة فاقت الـ 6 مليارات دولار اى أربعة أضعاف الإصدار، وهذا يعكس ثقة المستثمرين الأجانب ويشكل علامة ايجابية للمؤسسات الدولية.. منوها إلى أن الملكية ستعود مرة اخرى للدولة.. مؤكدا أن التعامل بالصكوك السيادية هو أسلوب تمويلى شرعى يساعد فى تقليل الدين العام مع الحفاظ على ملكية الدولة للأصل.
من جانبه أكد الدكتور حسن الشقطى عميد كلية التجارة بجامعة أسوان أن هناك تحولا إيجابيا فى إستراتيجية الدولة لإدارة أصولها بشكل أكثر كفاءة.. مشيراً إلى أن القرار يهدف بشكل أساسى لتمكين وزارة المالية من استخدام هذه الأصول فى إصدار الصكوك السيادية الأمر الذى يسهم فى جذب استثمارات جديدة ويخاطب الدين العام دون المساس بالخدمات الأساسية.. مؤكدا أن إنجاح هذه الخطوة يتوقف على الشفافية فى التنفيذ وحسن إدارة الأصول لتحقيق اقصى استفادة منها.
وتابع: إن هذه الخطوة ستؤثر إيجاباً على خفض الدين العام من خلال تحويل بعض الأصول إلى أدوات تمويل تدر أموالا للخزانة العامة تساعد فى سداد وتقليل الديون.. مضيفا أن إصدار الصكوك بضمان أصل حكومى ذى قيمة هو بمثابة قوة اقتصادية حقيقية من خلال ما سيترتب عليها من نتائج تتمثل فى زيادة موارد الدولة بطرق مبتكرة كاستغلال الأصول كأداة تمويل فعالة مع جذب نوع جديد من المستثمرين الذين يبحثون عن توافق تعاملاتهم مع الشريعة الإسلامية.
أوضح أن هناك أصولا من الأراضى والعقارات مملوكة للدولة فى حالة جمود لابد من تحويلها لقوة اقتصادية محركة للنشاط والنمو وهو ما يطلق عليه الكفاءة فى إدارة الأصول العامة.. لافتاً إلى أن الصكوك السيادية واحدة من أدوات التمويل الفعالة فى خفض عجز الموازنة وتقليل الحاجة إلى الاقتراض.. مؤكداً أن التحول الإيجابى فى التعامل مع أصول الدولة يعزز الاستقرار الاقتصادى ويخلق بيئة أعمال محفزة للاستثمارات المحلية والأجنبية.
أكد الدكتور كريم رأفت الخبير الاقتصادي، أن تخصيص الحكومة المصرية لإصدار صكوك سيادية يمثل خطوة إستراتيجية فى تنويع أدوات التمويل ودعم الاقتصاد الوطني.. وأوضح أن هذه المبادرة تعكس رؤية حكومية طموحة تسعى إلى خلق آليات تمويل جديدة بعيداً عن الاقتصار على الدين التقليدى الداخلى أو الخارجي، فهى تفتح المجال أمام فئات واسعة من المستثمرين من القطاعين العام والخاص للمشاركة فى بناء الاقتصاد المصري.
أضاف أن إصدار الصكوك المدعومة بالأراضى الحكومية سيحفز تدفق رؤوس أموال جديدة من المستثمرين المحليين والأجانب الباحثين عن أصول مستدامة وآمنة على المدى الطويل.
أكد أن هذا النوع من الأدوات المالية لا يقتصر دوره على معالجة عجز الموازنة، بل يشكل قاعدة للتعاون المثمر بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يعود بالفائدة على كافة الأطراف، الذين يمكنهم الانخراط فى مشاريع مشتركة تستفيد من هذه الأراضي.
من ناحية التأثير المباشر على المؤشرات الاقتصادية، أشار إلى أن الاعتماد على الصكوك السيادية سيساعد فى خفض متوسط تكلفة الدين العام مقارنة بآليات الاقتراض التقليدية، نظراً للمعدلات التنافسية للعوائد التى توفرها هذه الصكوك.. كما ستعزز ضخ السيولة المتحققة من الإصدار فى المشروعات الزراعية واللوجستية نمواً اقتصادياً ملموساً وتوفير فرص عمل جديدة، خصوصاً فى المناطق الريفية، مما يساهم فى تحقيق تنمية أكثر توازناً بين المحافظات.
وشدد على ضرورة حماية حقوق المستثمرين وتعزيز ثقتهم فى السوق المصري. لافتا إلى أن تعزيز احتياطيات النقد الأجنبى من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى هذه الصكوك سيحد من تقلبات سعر الصرف ويعزّز استقرار الجنيه أمام العملات الرئيسية.
