عرف المصريون على مر العصور كلمة وفاء النيل بأنها تعنى أن النهر وفَّى بالمياه الكافية وقت فيضانه، وقد لعب نهر النيل دوراً عظيماً فى حياة المصريين باعتباره مصدر الحياة والخير. ورمز المصريين القدامى للنيل آله اسموه «الإله حابي»، وكانوا يعتقدون أن الفيضان على أرض مصر ينبت الزرع الاخضر كما أثمر زواج الإله أوزوريس من إيزيس ـ أثمر حورس.
وتقول الأساطير القديمة إن نهر النيل غضب يوماً فلم يفض وجفت مياهه مما هدد حياة الناس فقال أحد الكهنة إن هذا الغضب لابد أن نقابله بالتضرع وطلب العفو وأن نقدم له عروساً جميلة، أجمل فتاة فى المدينة على أن تحمل معها الهدايا القيمة والذبائح وترتدى ثياب العرس لتزف إليه. وهو ما حدث بالفعل كما تتحدث الأساطير وألقوا بالعروس فى النيل إلا أن كتابات المؤرخين أكدت أنه لا يوجد دليل أثرى واحد يؤيد وجود عادة إلقاء فتاة بنهر النيل ولو كان موجوداً بالفعل لذكر. ضمن مراسم جميع الأعياد المصرية القديمة. وفى جبل السلسلة بأسوان يوجد ثلاث لوحات تحتوى على مراسم الاحتفال بعيد إله النيل أو عيد وفاء النيل كما يقال حيث سجلت فى عهد الملوك سيتى الأول ـ رمسيس الثانى مرتينباح فى عهد الدولة الحديثة. وفى ذلك العهد كانت مراسم الاحتفال الحقيقى بالنيل تحدث مرتين فى العام مع أعلى أو أدنى ارتفاع للنيل حيث تقام الاحتفالات على ضفاف النيل ويتم تقديم مجموعة من القرابين حيوانى مثل سمك «الأطوم» وما يطلق عليه «إنسان البحر» وهو نوع من الأسماك يشبه الإنسان وتكون أنثاه كثيفة الشعر وهو ما كان يلقى مقربان فى النيل وليست فتاة. فالحضارة المصرية قدست روح الإنسان فلا يوجد تضحية بشرية من أى نوع فمنذ الأسرة الأولى كانت الحضارة المصرية تمثل الإنسانية فى أبهى صورها. وفى الفن القبطى تجسد نهر النيل بشكل فعلى ورمزى وقد رتبت الكنيسة صلوات «اللقان» فى ثلاث مناسبات كنسية فى عيد الغطاس المجيد وصلوات عيد الرسل بالإضافة إلى صلوات أسبوع الآلام. وفى العصر الاسلامى كان للنيل مكانة كبيرة واهتم به الحكام للحفاظ على جريانه وضبطه بما يكفل لهم حياة وزراعة آمنة وأنشأوا مقاييس للنيل أشهرها مقياس النيل بالروضة واحتفلوا بمواسم فيضانه وأقاموا النظم لربط سنينهم الهجرية بالسنة الشمسية التى تسير عليها مواعيد فيضان النيل والزراعة. و قدس المصرى القديم النيل واستخدم مياهه للتطهر من أجل الطقوس الدينية وغسل المتوفى ،وكانت عملية الاغتسال بماء النيل علاوة على المعنى الملموس للنظافة تمثل رمزاً لطهارة النفس روحياً من كل شائبة والتى استمرت فى الحضارة القبطية فيما بعد. ويشير نص قديم إلى أن «من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة» وأن الإله الخاص بالنيل هو «جابي» وكان غالباً يصور بشكل مزدوج فى الهيئة والجنس، وكانت الفكرة من ذلك أن مياه النيل تعطى الحياة لكل من الذكر والأنثي، وقد ارتبط التقويم المصرى وهو أقدم تقويم عرفته البشرية بنهر النيل ونتج عن شغف المصرى القديم بالنهر وحرصه على رصد فيضانه ونتيجة مراقبته لنجم «سيدت» أو «سيروس» لعدة سنوات أن توصلوا إلى تحديد دورته الفلكية بدقة متناهية، وقد حددوا طولها أو طول السنة الشمسية 365 يوماً و 5 ساعات و49 دقيقة و45 ثانية أى بفارق يوم كل 127 سنة وبذلك وضعوا المقياس الزمنى الذى يعلن موعد الفيضان وهو يوم ميلاد العام والذى أطلقوا عليه التقويم التحوتى نسبة إلى المعبود «تحوت» إله المعرفة وقياس الزمن. وهكذا تظل عروس النيل وهداياها هى رمز التقرب والتودد للإله حابى ليمنحنا الحياة.