الأصل في الحوار الوطني أنه قائم على مصلحة الوطن كيف نحقق ما يضمن له مستقبلًا أمنًا مستقرًا ويحقق أحلام أبنائه، ليس في الحوار الوطني مساحة للمصالح الشخصية، ولا مكان لمآرب أخرى، فى الحوار الوطنى الأرضية وطنية والغاية أيضًا وطنية والمسئولية ضميرية بحتة، كل طرف يقول ما يراه ويطرح ما لديه بحرية، لا حجر على أحد ولا محظور في الكلام ولا ممنوع فى الأفكار، لا خطوط حمراء، وطوال الـ18 شهرًا الماضية منذ انطلق الحوار ويسبب مساحة الحرية المتاحة سمعنا ما كان يعتقده البعض محرمًا، لأن الإرادة السياسية كانت واضحة، فتحت الباب لمناقشة أصعب القضايا وأخطر الملفات دون قيود، لا حدود للنقاش طالما أنه يبغى مصلحة الوطن، وهذه هي الأمانة التي يتحملها كل من يشارك ويناقش، أمانة الكلمة والرؤية التي تنطلق من قناعة وليس مصلحة، من رغبة في الاصلاح وليس طمعًا في تحقيق مكاسب سياسية على حساب أمن واستقرار البلاد.
طوال الفترة الماضية لم تتأخر القيادة السياسية عن تلبية مقترحات وتوصيات الحوار، كل ما خرج من توصيات لقى اهتمامًا من القيادة السياسية وتعاملًا إيجابيًا لافتًا وسرعة في الاستجابة حرصًا على نجاح التجربة وبداية مختلفة للجمهورية الجديدة التي تقوم على المشاركة الكاملة.
وقوائم المفرج عنهم بقرارات عفو رئاسي متتالية أكبر دليل على وجود الإرادة السياسية في فتح صفحة جديدة مع الجميع، لا خصومة مع أحد وإنما حفاظ على الوطن وحرص على بناء مستقبله، لكن هذا نفسه يلقى بالعبء والمسئولية على كل المشاركين فى الحوار من ممثلى كافة التيارات والأحزاب السياسية والمفكرين، وأن يدركوا أن القضية ليست مزايدة على الدولة ولا هي ممارسة ضغوط، ومضابط الحوار الوطني التي تؤكد مستوى النضج السياسي والوطنية التي تتسم بها النخبة السياسية والاقتصادية والثقافية في مصر، تكشف أيضًا أن نفرًا دخلوا الحوار لمآرب وخاصة حاولوا ممارسة ما يمكن وصفه بالابتزاز السياسي الذي لم تقبله ولم تقره الأغلبية، لأنهم أولًا يرون مدى جدية الدولة في مواصلة الإصلاح حتى النهاية، وفي الوقت نفسه يرون ما لا يليق بحوار وطنى من جانب هؤلاء القلة الذين أصبحوا مكشوفين للجميع وخسر رهائهم.
في قضية الحبس الاحتياطي التي بدأت مناقشاتها في جلسات الحوار أول أمس، كانت المشاركة كبيرة تمثل كل الأطياف والمهتمين بالملف وجاءت الأفكار متنوعة والمقترحات جادة، ووضح تمامًا التوافق بين الأغلبية على تحقيق التوازن غير المخل بين حق العدالة وحماية المجتمع وأمنه وبين حماية الأبرياء والحفاظ على حقوق المتهم البرىء حتى إدانته بحكم بات، وهذا منطق واع وموضوعى ويضمن أن تخرج توصيات عقلانية تتناسب مع مواثيق حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه تضمن تطبيق العدالة، وعدم تقييد حق السلطة القضائية في تحقيق الردع.
وهنا يجب أن نلتفت إلى ملاحظة مهمة تستحق التوقف أمامها.. فما شهدته المناقشات خلال جلسات الحوار يعطى مؤشرًا مهمًا وهو خبرة الحوار التى تراكمت لدى مجلس الأمناء والمشاركين، وأظن أن هناك اختلافًا كبيرًا بين أول جلسة للحوار الوطني قبل 18 شهرًا والآن، فجلسات البداية شهدت تشنجًا من البعض ومطالب من البعض كانت تتجاوز المنطق أحيانًا، لكن المشهد الآن اختلف كثيرًا، نرى حوارًا أكثر هدوءًا وأقل تعصبًا حتى وإن ارتفع سقف المقترحات واتسعت مساحة الاختلاف.
والأهم خبرة المنصة وقيادة الحوار والتي أصبحت واضحة، وظهرت قدرتها في استيعاب الجميع وتنظيم الأفكار وتطوير النقاش بما يخدم الهدف العام والغاية من الحوار وهو الوصول إلى مخرجات مفيدة وقابلة للتنفيذ عملًا بالمبدأ الذي وضعه الرئيس “وطن يتسع للجميع”.
أعتقد أننا من خلال الحوار نحقق مكاسب وطنية كبيرة، وكل يوم يتزايد حصاده لصالح مصر، وتأكيدات رئيس الوزراء أمام البرلمان وتعهده بالأخذ بتوصيات الحوار والتعاون الجاد مع مجلس أمنائه هو أكبر دليل على هذا الحصاد المتنامي، وكما أن الدولة والرئيس السيسي حريصان على أن تكتمل التجربة وتستمر ويقدم لها كل الدعم، فمسئولية كل المشاركين من كافة الأطياف أيضًا أن يحافظوا على هذه الآلية ويتخلصوا من كل ما يسيء إليها أو يحاول إفسادها، لأن هذه مصلحة وطن تستحق أن نلتف حولها جميعًا ونتجاوز خلافاتنا من أجلها.