في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي تغيرات وتحولات متسارعة وغير متوقعة نتيجة أزمات متلاحقة مثل الجائحة العالمية، الحرب الروسية الأوكرانية، والارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب التوترات الجيوسياسية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، تأتي الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية كصمام أمان للحفاظ على المصالح والمكتسبات الاقتصادية والسياسية في مواجهة هذه المتغيرات.
تتجلى أهمية هذه الشراكة في قدرتها على تحقيق الاستقرار والاتزان في المنطقة، سواء من خلال تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد، الطاقة، الاستثمار، أو من خلال التنسيق السياسي بين البلدين على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية. وقد أكد على قوة هذه العلاقات الاستراتيجية زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، والتي جاءت في توقيت حساس لتعزيز التعاون بين البلدين في مواجهة التحديات المشتركة.
خلال الزيارة، تم التباحث حول عدد من الملفات المهمة التي تخص تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين مصر والسعودية، وفتح آفاق جديدة للاستثمارات المشتركة التي من شأنها دعم استقرار الاقتصادين المصري والسعودي في ظل التقلبات العالمية. كما عكست الزيارة توافق الرؤى بين القيادتين فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة والقدرة على مواجهة الأزمات المتلاحقة.
وقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا سريعا خلال السنوات القليلة الماضية، فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في مصر خلال العام المالي 2022/2023، نحو 2.4 مليار دولار في العام المالي الماضي، بنسبة زيادة بلغت حوالي 474%، عن العام المالي السابق له.
اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات تضمن زيادة التبادل التجاري والمصالح المشتركة
ويتوقع خبراء الاقتصاد أنه مع تفعيل اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين سيتحقق التكامل الاقتصادي المطلوب لمواجهة التحديات، وتحقيق مكاسب متبادلة.
أوضح دكتور حسن الشقطى أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة بجامعة أسوان، أن ما يشهده الاقتصاد العالمي من تقلبات حادة تأثرا بالأزمات المتلاحقة، والتي بدأت منذ أزمة انتشار كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، ثم تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، تدفع إلى ضرورة تأسيس علاقات استراتيجية تضمن حماية المصالح وتحقيق الاستقرار، مشيرا إلى أن العلاقات المصرية السعودية تشهد تطورا ملحوظا وتقارب في وجهات النظر السليمة إزاء كافة الأحداث.
وأكد أن تأسيس مجلس أعلى للتنسيق بين البلدين وتوقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين يحقق المصلحة المشتركة بين البلدين، في ظل تزايد حجم الاستثمارات المتبادلة، لافتا إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية يقارب 13 مليار دولار خلال 2023، مشيرا إلى أن السعودية هي الأولى في قائمة الدول المستثمرة في مصر، متوقعا ان تسهم اتفاقية تشجيع الاستثمارات إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وجذب المزيد من الاستثمارات.
وأوضح أن اتفاقيات حماية الاستثمارات تنشأ عنها مجموعة من الحقوق للمستثمرين مقابل التزامات محددة من قبل الدولة المستقبلة للاستثمارات، وفى حالة مخالفة اى بند من البنود المتفق عليها يتم تفعيل الشرط المتعلق بتسوية المنازعات ورفع الأضرار، لافتا إلى أن تلك الاتفاقيات تضمن حرية تحويل رؤوس الأموال وعدم نزع الملكية ومنح الحوافز والمزايا المشجعة على الاستثمار، إضافة إلى تيسير الاجراءات المتعلقة بإنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وضمان الاستثمارات في حالات الحرب والاضطرابات، مؤكدا أن مثل تلك الاتفاقيات تضمن المصلحة المشتركة للبلدين، خاصة وأن المملكة تعد أكبر مستثمر في مصر بصافى استثمارات تقدر بحوالي 3 مليارات دولار، لافتا إلى أن هناك العديد من الشركات المصرية العاملة والتى تتوسع في حجم استثماراتها داخل السعودية، مشيرا إلى أن عدد الرخص الممنوحة للمستثمرين المصريين يقدر نحو 5767 رخصة، وذلك حسب ما ذكرته الغرف التجارية بالسعودية.
وأضاف أن هناك تركيز على التوسع في الاستثمارات الاستراتيجية، في مجالات الطاقة، ومشروعات التنمية السياحية.
زيارة ولي العهد السعودي تؤكد قدرة البلدين على مواجهة كافة التحديات
قال الخبير الاقتصادي أحمد ماهر إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتؤكد الثقل الذي تحظى به مصر على المستويين العربي والدولي. وأضاف ماهر أن هذه الزيارة تأتي في توقيت مهم، حيث يشهد العالم توترات جيوسياسية كبيرة أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، وهو ما يجعل التعاون الوثيق بين مصر والمملكة العربية السعودية ضرورة ملحة في هذه المرحلة لتحقيق النمو الاقتصادي.
وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تمتد لعقود طويلة، والتعاون بينهما ليس وليد اللحظة، حيث ضخت المملكة العربية السعودية خلال العشر سنوات الأخيرة استثمارات تزيد عن 6 مليارات دولار في مختلف القطاعات المصرية. وأوضح أن الفترة المقبلة من المتوقع أن تشهد ارتفاعاً في حجم الاستثمارات السعودية في مصر، خاصة بعد توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، التي تمثل نقلة نوعية في تعزيز التعاون الاقتصادي.
ولفت إلى أن هذه الاتفاقية ستفتح آفاقاً جديدة أمام المستثمرين من الجانبين، وستساهم في تشجيع دخولهم في شراكات جديدة في مختلف القطاعات مثل الصناعة، السياحة، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية والتكنولوجيا. وأشار إلى أن هذه الشراكات ستعمل على تعزيز التدفقات الاستثمارية إلى مصر، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتوفير آلاف فرص العمل للشباب المصري.
أكد أن الاستثمارات السعودية المتوقعة في مصر لن تقتصر على زيادة حجم رأس المال فقط، بل ستساهم في نقل الخبرات والتكنولوجيا، بما يعزز من كفاءة القطاعات الإنتاجية والخدمية المصرية. وقال أن التعاون بين البلدين، والذي يرتكز على أسس اقتصادية قوية، يساهم أيضاً في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي ويعد خطوة هامة نحو بناء مستقبل مزدهر للمنطقة بأكملها.
أعرب عن تفاؤله بأن هذه الزيارة ستسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في مصر، وستدفع بعجلة النمو والتقدم إلى الأمام بفضل التعاون المستمر بين البلدين، والذي يشكل نموذجاً يحتذى به في التعاون العربي المشترك.
أكد الدكتور أحمد شوقي الخبير الاقتصادي أن المملكة العربية السعودية هي الشريك التجاري الأول لمصر، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سجل 6.5 مليار دولار خلال ال 8 أشهر الأولى من 2024، بنسبة ارتفاع قدرها 32.7% مقارنة بنفس الفترة العام السابق، لافتا إلى أن الاتفاقات الدولية بين البلدين ترجع منذ عام ١٩٩٠ بتوقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار وتبادل الخبرات.
وأوضح أن توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، يحقق التكامل الاقتصادي الذى يحفظ مصالح الطرفين في مواجهة التقلبات والمتغيرات الدولية والإقليمية، مشيرا إلى أن هناك فرصا استثمارية متنوعة في مجالات الطاقة والنقل ومشروعات التنمية السياحية، لافتا إلى أنه وفق بيان اتحاد الغرف التجارية السعودية، تعد مصر أكبر شريك تجاري عربي للمملكة، لتكون هى الشريك السابع في جانب الصادرات، والتاسع في جانب الواردات على مستوى دول العالم، متوقعا زيادة حجم التبادل التجارى بعد تفعيل اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات.
وأكد أن الدولة اتخذت العديد من الاجراءات التي ساهمت في تعزيز بيئة الأعمال وتذليل العقبات أمام المستثمرين، لافتا إلى أنه تم الاعلان مؤخرا عن انهاء أغلب مشكلات المستثمرين السعوديين في مصر، مع انشاء مكتب خاص بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للاستثمارات السعودية.
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي أن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة ولقائه بالرئيس عبدالفتاح السيسي، تسهم في تحقق مكاسب اقتصادية مهمة للدولتين منها تعزيز الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية بين مصر والسعودية وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدولتين الكبيرتين، مضيفا أن ولي العهد السعودي قد وجه الشهر الماضي خلال زيارة رئيس الوزراء المصري للسعودية بضخ استثمارات بنحو 5 مليار دولار في مصر كبداية.
وأضاف، أن مناخ الاستثمار المصري وما به من مناطق اقتصادية ضخمة كالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والعين السخنة وغيرها من المشروعات القومية الضخمة، إضافة للبنية التحتية والتشريعية القوية والتيسيرات والمحفزات الاستثمارية التي طرحتها الحكومة، تؤكد مزيدا من تدفقات الاستثمارات السعودية في مصر خلال الفترة المقبلة خاصة في مجال الصناعة، موضحا أن المؤشرات تشير إلى أن السعودية تعتزم تحويل ودائعها الموجودة لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات مباشرة تضخم في شرايين الاقتصاد المصري وأن هذا يعني تحويلها من دولار إلى جنيه لاستخدامها في عمل استثمارات في مصر ما يسهم في تقليل حجم الدين الخارجي على مصر ويدعم قيمة الجنيه.
وأشار غراب، إلى أن السعودية ومصر تسعيان لتحقيق التكامل والشراكة الاقتصادية الكاملة خاصة في مجالات الصناعة لتصنيع العديد من المنتجات كالسيارات والأدوية والصناعات الغذائية والطاقة الجديدة والمتجددة، إضافة للربط الكهربائي بين البلدين، إضافة لزيادة حجم التبادل التجاري بين الدولتين والذي وصل خلال أول 6 أشهر من العام الجاري نحو 4.622 مليار دولار، بزيادة بنسبة 30% عن نفس الفترة العام الماضي.