عندما تنظر إليه تدهشك الألوان التى يرتديها والرشاقة التى يبدو عليها حتى وهو فى أواخر أيامه.. وقد شارف على الثمانين من عمره.. ومنذ بدأ يكتب تاريخه السينمائى وهو يثير الجدل من حوله.. عندما أعلن بعد عودته من أمريكا انه تتلمذ على يد المخرج العالمى «سيسيل روميل» صاحب فيلم الوصايا العشر.. تنظر إلى تاريخه السينمائى تجده يأخذك إلى اليمين ثم إلى الشمال وأحيانا إلى أعلى أو أسفل.. وكأنه اتخذ من السينما مغامرة حرة لا عنوان لها.
حسام الدين مصطفى ابن عمدة قرية الطوايرة التابعة للمنزلة دقهلية.. المشطوب من نقابة السينمائيين بعد رحلته إلى اسرائيل مشاركا فى مهرجان حيفا حيث تم تكريمه هناك وقد تعرض لهجوم بالغ من عموم المثقفين الذين يرفضون التطبيع وهو ما جرى أيضاً مع الكاتب المسرحى على سالم الذى ذهب بكامل إرادته وبسيارته إلى تل أبيب.. وراهن على تاريخه المسرحى الحافل كواحد من أهم الكتاب.. لكنه أيضاً صاحب مسرحية مدرسة المشاغبين وأشهر فيلم عربى فى أندية الفيديو وقتها «أعظم طفل فى العالم» بطولة رشدى أباظة وميرفت أمين وهند رستم وأخرجه جلال الشرقاوى مخرج المشاغبين.
علامات استفهام
حسام هاجم يوسف شاهين بعد فيلمه «القاهرة منورة بأهلها» واعتبره دعاية مشوهة ضد أهل البلد.. وهاجم أيضاً جيل عاطف الطيب ومحمد خان واعتبر ان الأفلام الواقعية التى قدمها هذا الجيل أدت إلى تراجع السينما وهو رأى لا يمكن المرور عليه أبداً مرور الكرام لأن جيل الطيب وخان وداوود وبشارة ورضوان أضاف إلى الشاشة..
وبعد رحلته 1994 عاد حسام يضع بصمة واضحة فى مسلسلات تليفزيونية تاريخية ودينية مهمة.. وكانت ناجحة لأنه قدمها بأسلوب سينمائى وإيقاع مختلف عما كان معتادا.. فهل اعتبر هذه المسلسلات «عصر الأئمة، صقر قريش، الفرسان، الأبطال، ابن حزم، نسر الشرق، أبو حنيفة النعمان» بمثابة محاولة لتطهير اسمه من رحلة «حيفا» وكان ينظر إلى نفسه كواحد من جنود السلام على حد تعبيره.. والسؤال ماذا يمكن أن يقول رحمة الله عليه لو ان العمر امتد به إلى وقتنا هذا ورأى ما يحدث فى فلسطين من جانب اسرائيل؟.. فهل اخراجه لفيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» 1976 ثم الحصول على وسام من الرئيس السادات هل لهذا علاقة بذهابه بعد ذلك إلى إسرائيل على خطى الزيارة الشهيرة لرجل الحرب والسلام بعد كامب ديفيد؟!
تاريخ حافل
وكل هذا لا يمكن بحال أن يلغى التاريخ السينمائى الحافل لحسام ومن الصعب تصنيفه عند لون بعينه.. فقد قدم الأكشن والاجتماعى والتاريخى.. وكأن حسام الدين هو مجموعة مخرجين فى شخص واحد.. فهو صاحب فيلم «اسماعيل ياسين للبيع» و»كفاية يا عين» وهو أيضا من أخرج «الشيماء» بطولة سميرة أحمد ثم نجد فى سجله علامات بارزة «السمان والخريف، أدهم الشرقاوى، الاخوة الأعداء، النظارة السوداء، كلمة شرف، الحرافيش، الطريق.. ومعها شاطئ المرح، المشاغبات والكابتن، طير فى السما، العفاريت، المغامرون الثلاثة» واسمه يقترن بالفيلم الذى تحول إلى أزمة كبيرة مع الرقابة على المصنفات وهو «درب الهوى» بطولة مديحة كامل ومحمود عبدالعزيز ويسرا واحمد زكى حيث منعته الرقابة لسنوات قبل أن يتم الافراج عنه بعد انتشار قنوات السينما التى تبث ارسالها دكاكينى من أقمار غالبا هندية تزاحم «النايل سات» بدون أن تكون اشراف «النايل».. حسام كان يؤمن بأنه يجب أن يقدم كل الألوان.. وتباين مستويات الأفلام يرجع إلى احتراف هذه المهنة وهى تتعرض لظروف عديدة.. تؤثر على كل من يعملون بها وهى مصدر أرزاق لنوعيات كبيرة ليس فقط على مستوى المخرج والمؤلف والنجم.. هناك المصور والموسيقى والماكيير والمونتاج والمعامل والانتاج والعمال فى الكهرباء والنجارة والخدمات.. وبالتالى يحدث بعض التنازل من أجل الاستمرار واعترف انه تعرض للبطالة بعد عودته من الدراسة بأمريكا واضطر أن ينتج لنفسه لكى يقول «نحن هنا» وفى البداية يقبل ما يعرض عليه كمحترف ثم يختار ومن بين مائة فيلم أو يزيد يكفى أن يكون من بينها عشرة أفلام لا يمكن تجاهلها من بين أفضل ما أنتجت السينما المصرية.. يكفيه أن نذكر شادية وسعاد حسنى فى الطريق ونادية لطفى فى نظارتها السوداء والسمان والخريف وسميرة أحمد فى الشيماء ونجوى ابراهيم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» ومنذ رحيل حسام عام 2000 يتجدد كل عام الجدل فى ذكرى ميلاده «5 مايو 1926» وهو يستحق بلا شك.
مراحل مراحل
سنوات حسام الطويلة سمحت له أن يخوض فى تجارب متنوعة تبدو انها مختلفة عن بعضها البعض.. والواضح انه قد يغرم إلى نوعية فيقدمها ثم ينظر ويبحث عن غيرها لتكون له بصمته فى كل نوعية.. فعندما نجحت جماهير أفلام من نوعية «الأشقياء الثلاثة»، «الشجعان الثلاثة» خاض فيها وكان الهدف منها تقديم مجموعة من النجوم معا.. ثم تحول إلى أفلام مأخوذة عن أعمال أدبية.. ثم تحول وهو المغرم بأمريكا وقد درس بها إلى الأدب الروسى فقدم الاخوة كارما زوف والجريمة والعقاب والممسوسون ثم اتجاهه إلى التليفزيون فى مسلسلات كان يرى انه يكسر بها ايقاع الدراما التليفزيونية البطئ.. فهو مخرج الحركة أو الأكشن حتى فى الكوميديا.. فهل يمكن أن تستنج وجهة نظر أو رؤية تربطها بحسام وتعبر عنه.. انه ببساطة المخرج صاحب المزاج المغامر المثير للجدل ليس فقط فى حياته الفنية لكن فى حياته الشخصية أيضاً!