يستهلك وقتًا فى التفاوض ويقدم مقترحات يعلم أنها غير مقبولة
ليس تشاؤما بقدر ما هو قراءة للمعطيات، عندما أقول أنه رغم كل ما يتردد خلال الساعات القليلة الماضية عن قرب التوصل إلى هدنة فى قطاع غزة، ورغم الجهود الكبيرة للوسطاء؛ فالاتفاق لا يبدو وشيكاً، لا سيما أن معضلات الاتفاق حتى الآن لا تزال قائمة،
بعد رفض حماس لمقترح سابق لمبعوث الرئيس الأمريكى ستيف ويتكوف كان يقضى بالإفراج عن عشرة من المحتجزين الإسرائيليين فى غزة مقابل عودة تدفق المساعدات لأهالى القطاع ووقف إطلاق النار بضعة أسابيع، وبعد مقترح آخر قدمته القاهرة يقضى بالإفراج عن ثمانية من المحتجزين الإسرائيليين مع بدء مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة السابق «اتفاق 19 يناير الماضي»، قدمت إسرائيل مؤخرًا مقترحًا جديدًا للهدنة يشمل إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال فى الأسبوع الأول من الاتفاق، وجميع الأسرى الأحياء والأموات فى نهاية 45 يوماً منه، وتهدئة مؤقتة مقابل إدخال المساعدات، والإفراج عن أعداد من الأسرى الفلسطينيين والبدء من مفاوضات المرحلة الثانية فى اليوم الثالث من الهدنة، وتضمن الاقتراح لأول مرة طلبًا بنزع سلاح حماس.
إلا أن حماس سارعت بإعلان رفضها للتخلى عن سلاحها مؤكدة أنه خط أحمر! رغم أنها سبق وقدمت تنازلات مثل تراجعها عن رفضها اتفاق هدنة مؤقت، مع إصرارها على الحصول على ضمانات قوية بأن تؤدى الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وقد تفكر حماس فى التنازل عن سلطتها السياسية مع الحفاظ على قوتها العسكرية والأغلب أنها ستطلب تعديلات على المقترح الإسرائيلى الخاص باستبعاد نزع سلاحها وربط الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين بتنفيذ انسحاب إسرائيل من أراضى القطاع، بضمانات أمريكية.
تراهن حماس على الضغوط الداخلية المتصاعدة ضد نتنياهو، لا سيما عقب عرائض وقع عليها جنود ومنتسبين للموساد تطالب بوقف الحرب، فوفقًا لاستطلاعات الرأى الأخيرة يؤيد حوالى 70 ٪ من الإسرائيليين التوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب وإطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، فضلاً عن أن حماس تدرك أن ترامب لن يقبل إلا بإتمام هدنة قبل نهاية الشهر على أن تمتد لنحو 45 أو 60 يوماً ليزور المنطقة وسط تهدئة وليس حرباً.
فيما يخص الداخل الإسرائيلى لا يزال هناك من يؤيد استمرارالحرب وإن كانت نسبته أقل من الرافضين وليس من المؤكد ما إذا كان الشعور العام برفض الحرب سيترجم إلى احتجاج قد يقيد خيارات نتنياهو، حيث لا يزال العديد من الإسرائيليين يجدون صعوبة فى التظاهر ضد حكومتهم بينما يقاتل الجنود الإسرائيليون ويموتون فى غزة.
نتنياهو يخطط لحرب أبدية فى غزة، وسيستغل أى رفض لمقترحه ليوسع هجومه على غزة، ورفع سقف مطالبه، ولن يقبل بأى نقاش حول المرحلة الثانية من اتفاق 19 يناير الذى انسحب منه لأنه يلزمه بالانسحاب من قطاع غزة ووقف الحرب.
تمسك نتنياهو بالسلطة يدفعه لرفض أى مسار يؤدى إلى وقف القتال أوالتهدئة، رغم إدراكه لصعوبة تحقيق «النصر الكامل»على حماس، رغم الخسائر التى لحقت بها، نتنياهو لا يسعى لنهاية واضحة للحرب بقدر ما يحرص على استمرارها باعتبارها أداة بقاء سياسي، وقد ينهار أى اتفاق مرة أخرى فى مراحله النهائية، ويقترح شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف، طرد معظم سكان غزة، ويبقى من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو مستعدًا لتحقيق أحلام شركائه السياسيين فى مواجهة رغبة الرئيس دونالد ترمب و التى بدأت تتكشف بإنهاء هذه الحرب، وهل نتنياهو قادر على دفع فاتورة معارضة ترامب؟كما أنه ليس واضحا ما إذا كان الجيش الإسرائيلى قادرًا على الشروع فى عملية مكلفة وطويلة الأمد فى غزة فى الوقت الحالي، لذلك يتبع نتنياهو الآن خيارًا وسطيًا يُحافظ فيه على ثقة اليمين المتطرف، بتأجيل تنفيذ أى وقف لإطلاق النار من شأنه أن ينهى الحرب ويقضى على حلم إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فى غزة، وفى نفس الوقت يستهلك وقتا فى التفاوض وتقديم مقترحات هو يعلم أنها غير مقبولة.
كلمة السر الأن فى يد الرئيس ترامب الذى يستطيع أن يضغط على نتنياهو وينهى هذه الحرب، أما لعبة المقترحات المستحيلة هذه فلن تنهى الحرب.