«هذه ليست حربي.. لكنها حرب الرئيس السابق بايدن»..!
بهذه العبارة، رد الرئيس الأمريكى ترامب، على نظيره الأوكرانى «زيلينسكي»، الذى انتقد ما وصفه بأنه «حياد» ترامب وعدم مبالاته بالتصعيد العسكرى الروسى الأخير للحرب ضد بلاده ـ أوكرانيا ـ خاصة أن هذا التصعيد ازداد حدة منذ شروع ترامب فى التدخل لقيادة مفاوضات لإنهاء الحرب بين البلدين.
وأضاف ترامب، فى تصريحات للصحفيين، إن بايدن وزيلينسكى قاما بـ «عمل فظيع» بسماحهما باندلاع هذه الحرب أصلاً.. والتى ما كان لها أن تندلع لو كان هو موجوداً فى البيت الأبيض، ولذلك كان على بايدن إنهاؤها فور اشتعالها!!
عبارة «هذه ليست حربي، لكنها حرب الرئيس السابق بايدن»، كفيلة بأن تجهز على الصورة النمطية لأمريكا فى أذهان العالم بأنها «دولة مؤسسات»، وأن التزاماتها الدولية ثابتة، وأسس سياساتها وعلاقاتها الدولية راسخة مهما كانت توجهات ساكن البيت الأبيض فيها.
وهى تعنى أن ترامب يتصرف، فى قيادته لأمريكا، «بصفة شخصية» دون اعتبار لشيء أو لأحد، بما فى ذلك تاريخ أمريكا، وثوابتها، وصورتها النمطية التى عرفها العالم، وتعامل معها من خلالها.
وهو ما يهز مصداقية أمريكا فى ظل قيادة ترامب، ليس فقط فى المجتمع الدولي، بل لدى أقرب حلفائها.
فعندما وقف بايدن إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، كان يعلن حتى لحظة خروجه من البيت الأبيض، أن هذه حرب «العالم الحر» وليست حرب أوكرانيا فقط، ولذلك لم يحارب وحده، بل حشد أوروبا كلها معه فى هذه الحرب، بصرف النظر عما يحيط بهذا المفهوم من اختلافات.
ترامب يسقط تماماً مصطلح «العالم الحر» من أحاديثه، ولا يكاد يشعر بأهمية تعبير «الحلفاء» بالنسبة لأمريكا، بل يتهم حلفاءه الأوروبيين بأنهم يستنزفون أمريكا، ويحققون أمنهم وتقدمهم ورفاهيتهم على حساب الشعب الأمريكى وبأمواله، ولذلك يطالبهم بـ «الدفع» أو انسحابه من التحالف.
وهو يقول للرئيس الأوكرانى بتلك العبارة: خذ حسابك من بايدن وليس مني!
وهذا يفسر، لماذا تراجع حماس ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية التى وعد طوال حملته الانتخابية بأنه بمجرد فوزه فى الانتخابات، سينهيها خلال أربع وعشرين ساعة، حتى قبل تنصيبه رئيساً.
وواضح أن ترامب لم تكن لديه فكرة أو صورة واضحة عن هذه الحرب، سواء من الناحية التاريخية، أو الواقعية، ولم يبدأ التعرف عليها إلا بعد أول مكالمة هاتفية له مع الرئيس الروسى بوتين، وبعدها فى لقائه الشهير بالرئيس الأوكرانى فى البيت الأبيض، وفى حضور الإعلام الأمريكي، وتعنيفه له على الهواء مباشرة، والذى انتهى بطرده.
ولذلك، عندما سئل بعدها من أحد الصحفيين.. لماذا لم يف بوعده بإنهاء الحرب فوراً خلال أربع وعشرين ساعة، زعم أنه كان يقول ذلك على سبيل السخرية!!
وبالطبع، فإن أحداً لن يأخذ زعمه هذا على محمل الجد.. بدليل أنه بدأ مهمته فى البيت الأبيض بملف هذه الحرب وليس بغيره واثقاً من أنه الملف الأسهل الذى يستطيع فيه أن يحقق اختراقاً سريعاً يؤكد به مصداقية وعده.
وعندما اكتشف أن تقديره لم يكن صحيحاً، بدأ بفتح ملف الحرب فى غزة، والملف النووى فى إيران.
وقد قطعت الاتصالات الأمريكية الروسية شوطاً فى تحقيق قدر من التقدم فى العلاقات الثنائية بين الدولتين، أكبر مما حققت فى ملف إنهاء الحرب الأوكرانية.
والسبب أن الرئيس الروسى بوتين نجح فى تحويل حماس ترامب لإنهاء الحرب إلى ملف تطبيع العلاقات الثنائية مع أمريكا، وإغراء ترامب بما يمكنه أن يحققه من مكاسب من وراء التطبيع، ليصيغ بذلك مناخاً إيجابياً يضمن لروسيا موافقة ترامب على شروطها لإنهاء الحرب ورفع العقوبات عنها.
ولذلك، ورغم التقدم الذى تم إحرازه فى ملف العلاقات الثنائية، خرج «لافروف» وزير الخارجية الروسى بتصريح منتصف هذا الأسبوع يقول فيه إنه ليس من السهل الاتفاق مع أمريكا على الأسس الرئيسية لاتفاق سلام محتمل لإنهاء الحرب فى أوكرانيا.
والواقع أن روسيا لا تريد اتفاقاً يقضى لها فقط بالتصديق على ضم شبه جزيرة القرم، ونسبة العشرين بالمائة التى احتلتها من الأراضى الأوكرانية وعدم انضمام أوكرانيا لحلف الأطلنطى بل تريد أن يتم ذلك دون أن تخسر شركاتها الإستراتيجية مع الثلاثى الذى دعمها طوال هذه الحرب، بالأسلحة والرجال، وفى المحافل الدولية، وهو مثلث الصين وكوريا الشمالية وإيران، والتى وقعت روسيا معها اتفاقيات دفاعية.
وهذا ما يعنيه وزير الخارجية الروسى بأن التوصل لاتفاق سلام محتمل ينهى الحرب فى أوكرانيا ليس سهلاً.
ولن يكون تمرير هذا الاتفاق سهلاً أيضاً بالنسبة للمجتمع الدولى عند عرضه عليه، فسوف تعارض دول كثيرة خاصة الأوروبية الجزء الخاص منه بضم الأراضى عن طريق الحرب، وتعتبره انتصاراً روسياً يهدد مستقبل الأمن الأوروبى كله ومكافأة لروسيا على عمليتها العسكرية.
والسؤال بعد ذلك: حرب غزة.. حرب من ياتري؟!