تتوالى الضربات على دولة الاحتلال من كل حدب وصوب، على كافة الجبهات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، بسبب حربها المستمرة على قطاع غزة.. ويبدو أن صبر العالم قد نفد بالفعل حيال الجرائم الإسرائيلية فى غزة من مجازر يومية وحرب إبادة وتجويع وتهجير وقتل للأطفال والنساء، ولا سيما بعدما فشلت آلة الكذب الإسرائيلية فى تسويق ما يجرى على الأرض لصالحها.
وبالتزامن مع العزلة الدولية المتنامية التى تعيشها إسرائيل وتحولها إلى دولة منبوذة عالمياً، يجرى تحجيم الصادرات الإسرائيلية وإلغاء العديد من الصفقات التجارية، بينما قامت العديد من الشركات بسحب استثماراتها فى مؤشر قوى على التراجع الكبير للثقة فى الاقتصاد الإسرائيلي.
البداية كانت بتراجع الاقتصاد الإسرائيلى بنسبة 20٪ خلال الربع الأخير من العام الماضي، وعلى إثر ذلك تم تخفيض التصنيف الائتمانى لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية، فى حين تهدد الحرب المستمرة فى غزة بموجة لا نهاية لها من ارتفاع الأسعار داخل الأسواق الإسرائيلية.
وبحسب البنك المركزى الإسرائيلى فمن المرجح أن تصل التكلفة الإجمالية للحرب إلى نحو 67.4 مليار دولار حتى عام 2025، وهى الحرب الأعلى تكلفة فى تاريخ دولة الاحتلال، فى ظل توجه حكومة بنيامين نتنياهو إلى مضاعفة الإنقاق الدفاعى ليصل إلى 9 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى الذى يصل إلى نحو 550 مليار دولار.
تتوقع الحكومة الإسرائيلية عجزا فى الميزانية بنسبة 6.6 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام، فضلاً عن انخفاض النمو من 2 ٪ فى عام 2023 إلى 1.6 ٪ خلال العام الجاري.
وبعد اندلاع الحرب، اقترضت الحكومة الإسرائيلية نحو 21.5 مليار دولار، مما رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى نحو 62 ٪، وهو أعلى مستوى لها منذ حوالى ثمانى سنوات، وتتوقع الوزارة أن ترتفع هذه النسبة بمقدار خمس أو ست نقاط مئوية أخرى خلال العام الجاري.
وعلى الصعيد الداخلى وفى ظل ارتفاع معدلات التضخم الذى يقترب من 3 ٪ وارتفاع تكاليف المعيشة باتت العديد من الأسر غير قادرة على تغطية نفقاتها الشهرية، وتشكل الزيادات الحالية فى الأسعار بحسب عدد من المحللين مقدمة لأوضاع أسوأ فى المستقبل.
وبالتزامن تعمل الحكومة الإسرائيلية على إعادة بناء المستوطنات المتضررة بسبب الحرب بالقرب من قطاع غزة وشمال إسرائيل، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على الحكومة من أجل توفير مساكن للمشردين الإسرائيليين الذين يبلغ عدهم نحو 100 ألف شخص.
يعتقد الإسرائيليون أن السبب الرئيسى للارتفاع الجنونى فى الأسعار هو الخوف المتنامى بين المستثمرين فى ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي، بسبب الحرب المستمرة فى غزة التى دخلت شهرها التاسع، بالإضافة إلى انخفاض إنتاج أو توقف العديد من الصناعات، إما لنقص مكونات الإنتاج فى ظل تراجع الواردات وارتفاع تكاليف النقل أو العمالة الكافية بسبب استدعاء آلاف الإسرائيليين للخدمة العسكرية، فضلاً عن تقليص أو قطع العديد من الدول علاقاتها التجارية مع دولة الاحتلال.
وبالتبعية امتدت تأثيرات الحرب على غزة إلى المستهلكين الإسرائيليين، وفى ظل العجز الكبير فى الميزانية وانخفاض الإيرادات، من المرجح تقديم موعد زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 18 ٪ المقررة فى عام 2025، وهو ما يعنى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل تلقائي.
رغم أن الإسرائيليين يزعمون أن تصنيفهم الائتمانى الدولى سيرتفع مباشرة بعد انتهاء الحرب، إلا أن هذا الوضع من المستبعد أن يتغير قريباً، ولا سيما فى ظل سيطرة الجناح اليمينى المتطرف على الحكومة، والذى يسعى بقوة إلى بناء جيش أكبر ودائم وهو ما يعنى استمرار حالة الاستنزاف للاقتصاد الإسرائيلى تحت وطأة الهجوم على غزة.
ويشكل الدعم المالى الذى يحظى به اليهود المتشددون «الحريديم» عبئًا إضافياً على الاقتصاد الإسرائيلي، فرغم أنهم يعيشون على المعونات الحكومية إلا أن مساهمتهم فى الاقتصاد الوطنى تكاد تكون منعدمة وفى نفس الوقت يجرى إعفاؤهم من الخدمة العسكرية.. ولكونهم التركيبة السكانية الأسرع نمواً فى البلاد، ازداد نفوذهم السياسى داخل المجتمع الإسرائيلى ولا سيما فى ظل الحكومة الحالية بحيث باتوا قادرين على التأثير على كافة القرارات الاجتماعية والسياسية والعسكرية فى إسرائيل.
رغم الخسائر الاقتصادية الهائلة التى تكبدتها إسرائيل نتيجة لحربها المستمرة على غزة، والحصار الذى فرضته جماعة الحوثى فى اليمن على حركة التجارة المرتبطة بإسرائيل فى العديد من الممرات المائية الإقليمية، والعمليات العسكرية اليومية لحزب الله اللبنانى فى شمال إسرائيل، والتى أرهقت بشكل كبير الموارد المالية لتل أبيب، إلا أن الامتيازات المكفولة للحريديم من خزينة الدولة ظلت على حالها، لترتفع تكلفة الدعم لطلاب المدارس الدينية المتطرفة وحدها إلى 136 مليون دولار سنويًا.
يهدد الصراع الحالى بين التيار العلمانى والتيار الدينى المتشدد بشأن إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية والمعاملة التمييزية التى يحظون بها، ليس فقط بإسقاط الحكومة الإسرائيلية أو دولة الاحتلال التى تترنح تحت وطأة حرب إقليمية متعددة الجبهات، ولكنه يشكل بالأساس تهديداً وجودياً للمشروع الصهيونى برمته.