عرفنا وعشنا حروب الممرات المائية ومصادر الطاقة والحبوب والتكنولوجيا والآن نعيش صراعا مريرا اسمه الذكاء الاصطناعي، ولم نكد نعرف أبعاد الصراع حتى وجدنا العالم ينقلب رأسا على عقب، وتطل علينا أشكال جديدة من الإمبريالية متعددة المخالب، وسط عالم يمر بمرحلة انتقال حقيقى من سياقات راسخة أوجدتها الحرب العالمية الثانية واتفاقية بريتون وودز ثم نتائج الحرب الباردة، السياق الجديد مختلف ولا يمت للقواعد المتعارف عليها بصلة، اهم ملامح هذا التغيير هو “رفع الدولار على أسنة الرماح” فلم تعد الحروب والصراعات الكبرى مرتبطة بمبادئ أو ثوابت أو حتى قوانين.
>>>>
بل أصبح الدولار- وهو الرمزية العالمية للمال والأعمال والاقتصاد بشكل عام- هو السيد المتحكم فى قرارات الجميع، وما نراه امام أعيننا من صراعات تجعلنا نضع أيادينا على قلوبنا خوفا من تطاير شراراتها، ما هو إلا عملية بحث كبرى عن المكاسب الاقتصادية، فالعالم كله يمر بأزمة سيولة ضاغطة وطاحنة، ولا توجد دولة فى العالم لديها بحبوحة او فوائض إلا ثلاث دول منها دولتان عربيتان هما قطر والإمارات ودولة أوروبية هى النرويج، وذلك يفسر الكثير من القرارت التى يتخذها ترامب فى الداخل الأمريكى خاصة مشروع اعادة حوكمة الجهاز الإدارى وضبط النفقات وإلغاء ملايين الوظائف والاستغناء عن شاغليها فى مشهد درامى حزين يذكرنا بمرحلة الكساد العظيم الذى ضرب العالم فى الثلاثينيات.
>>>>
اليوم نرى الاقتصاد العالمى يترنح على مقصلة التضخم ونقص السيولة وانخفاض معدلات النمو العالمى وارتفاع أرقام الديون لتصل إلى أرقام غير مسبوقة فى التاريخ، وتقوم كل دولة كبيرة أو صغيرة غنية أو فقيرة بالبحث عن قارب نجاه يساعدها فى الخروج من الدوامات الاقتصادية غير المسبوقة، الأقوياء الأغنياء المأزومين هم الأخطر على الضعفاء الفقراء المأزومين ايضاً، بيد ان مشهد الفيلة والعشب يعيد نفسه فى هذا الموقف العبثى الذى يمر به الكوكب، أمريكا انطلقت لتبعد الطوفان عنها حتى على حساب أقرب الأقربين وأخلص الحلفاء وأهم الأصدقاء.
>>>>
وكانت الضرائب الجمركية هى السلاح الناجع الذى استخدمه ترامب ضد كندا والمكسيك واوربا والصين بشكل غير انتقائى فالجميع امام مقصلة الضرائب الترامبية سواء، ثم جاءت حرب المعادن لتكشف ما كان مستترا من نوايا، دخلت امريكا ترامب على خط الأزمة الروسية الاوكرانية بمقترح وخطة لوقف إطلاق النار، ومع تصاعد الرفض الأوكرانى والامتعاض الأوروبي، طرح ترامب حزمة من التهديدات بدأت بوقف الدعم الأمريكى المباشر لأوكرانيا وتهديد أوروبا بحلف الناتو وإمكانية خروج أمريكا منه، هذه التهديدات توجت بالمشهد التاريخى لترامب ونائبه مع زلينيسكى فى البيت الأبيض، كانت التهديدات والمشهد يهدفان الى الوصول إلى صفقة المعادن والتى تقضى بحصول أمريكا على نصف معادن أوكرانيا مقابل المساعدات التى قدمتها فى الحرب، وهذا يدخلنا إلى عصر جديد من حروب المعادن والتى فى جوهرها حروب من اجل الطاقة.