دفع حزب الله ثمناً فادحاً وفاتورة باهظة الثمن بسبب حالة الاختراق الشامل التى تعرض لها فليس هناك أخطر من اغتيال أمينه العام وباتت خارطة وبنك أهداف الحزب سواء فى هرم قيادته الذى قضى تماماً أو مناطق تمركزاته وقواعد صواريخه وفى ظنى انه لولا هذا الاختراق العميق ما أقدمت إسرائيل على كل هذه الضربات القاتلة وإحداث خسائر فادحة ومزلزلة فى كيان الحزب، فقد وجد نتنياهو ضالته وعثر على الكنز المعلوماتى والاستخباراتى لذلك أقدم على هذه الجرائم بلا رحمة أو هوادة ورفع شعاراً ووضع هدفاً إلى بنك أهداف عدوانه على غزة هو إعادة المستوطنين الإسرائيلين إلى مستعمراتهم فى الشمال وبدأ الطوفان الذى اجتاح حزب الله بتفجيرات «البيجر» ثم اللاسلكى ثم اغتيال القادة العسكريين والتنظيميين من حزب الله وكأنهم يتخطفهم الطير وبدقة وبضربات قاتلة بل وتستبق دولة الاحتلال الجميع بل الحزب نفسه بإعلان اغتيالها لقادة حزب الله ثم يخرج بيان الحزب بعد ذلك بساعات ليؤكد الحقيقة وهو ما يشير إلى خطورة وعمق وكارثية الاختراق فى كل ما يتعلق بحزب الله وهو ما جعله فى حالة انكشاف تاريخى بدت ملامحه وعواقبه ونتائجه فى الحالة الكارثية التى يبدو عليها حزب الله ولا يدرى أحد هل يستطيع استعادة درجة تركيزه وفاعلية اشتباكه مع جيش الاحتلال وسط انتصارات وضربات مدوية لإسرائيل جعلت من نتنياهو بطلاً قومياً فى إسرائيل وارتفعت شعبيته بعد أن وصلت إلى أدنى درجاتها خلال عدوانه على غزة وفشله فى تحقيق أهداف العدوان لذلك فإن الاختراق الذى جرى فى حزب الله منح نتنياهو قبلة الحياة ولا أدرى لماذا يخرج فى هالة الأسد المزعوم وكأنه حقق انتصاراً ساحقاً على جيش نظامى قوى وهو لم يفعل أى شيء إلا فى عدوانه على قطاع غزة ومواجهته لمقاومة متجردة من أى إمكانيات أو قدرات سواء قوات جوية أو منظومة دفاع جوى وهو ما ينطبق تماماً على عناصر وقوات حزب الله وجاءت انتصارات نتنياهو الوهمية بسبب انشقاقات وانقسامات وتشرذم بين فئات الداخل فى لبنان وفلسطين وهو الأمر الذى حاولت مصر كثيراً أن توحد الصفوف وإعلاء المصلحة الوطنية العليا والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى وتقوية الدولة الوطنية ومؤسساتها والاستثمار فيها وأن تكون كافة الاطياف والقوى السياسية فى حالة اصطفاف وان الخلافات فى وجهات النظر السبيل الوحيد كلها هو الحوار والمفاوضات دون تعريض البلاد إلى خطر وجعل رؤية مصر فى هذا التوقيت يتحدث بها الجميع حتى التيار الشيعى نفسه ولعل ما قاله عن الحاج حسن رئيس التيار الشيعى الحر ان الدولة اللبنانية الآن هى خيار جميع اللبنانيين وانه من الوجودى هو الدولة الوطنية ومؤسساتها.
الحقيقة ان لبنان الشقيق يدفع ثمناً باهظاً لأسباب كثيرة لعل أبرزها حالة الفراغ السياسى التى نشبت بها الخلافات والانقسامات والانشقاقات فعلى مدار سنوات لم ينجح لبنان فى انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة تسيير الاعمال هى من تدير الشئون فى لبنان ناهيك أيضاً عن الازمة الاقتصادية الخانقة التى يعانى منها لبنان لذلك مع العدوان الإسرائيلى السافر تزيد الأمور فى لبنان الشقيق تعقيداً وتأزماً على المستوى السياسى والأمنى أو على المستوى الاقتصادى المتدهور فى الاساس وما يزيد الطين بلة هى حالة النزوح لمئات الآلاف من الجنوب اللبنانى إلى قلب العاصمة بيروت وما تحتاجه لبنان الآن من مساعدات إنسانية وغذائية وأدوية بالإضافة إلى توفير مناطق لاستقبال النازحين وسبل إعاشة وما تعاينه المستشفيات اللبنانية بعد تفريغ مستشفيات الضاحية الجنوبية كمنطقة اسـتهداف من المرضى حيث سقط 1640 شهيداً و8604 مصابين لنضع عداداً آخر إلى جوار عداد الشهداء والمصابيــن فى قطــاع غــزة والضفــة والذى تجاوز أكثر من 140 ألف شهيد ومصاب.
لبنان تنتظر مساعدات شاملة من أشقائها فى العالم العربى وعلى الفور بادر الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتوجيه إلى دفع قوافل إغاثة ومساعدات غذائية وطبية إلى الاشقاء فى لبنان وشدد فى اتصاله الهاتفى مع رئيس حكومة تسيير الاعمال اللبنانى نجيب ميقاتى على ضرورة وقف التصعيد فى لبنان وقطاع غزة، وعلى المجتمع الدولى أن يقوم بدوره حتى لا تنزلق المنطقة إلى منعطف خطير من التصعيد بما يضع الاستقرار والسلم الإقليميين والدوليين على المحك.
المنطقة على موعد مع تحولات خطيرة، وساعات غاية فى الصعوبة، ولا أقول أياماً أو أسابيع، وباتت التساؤلات تغلى فى العقول، وتتصارع علامات الاستفهام حول ما هو قادم للمنطقة من سيناريوهات هل انتهى زمن وعصر وعقود الميليشيات والجماعات والأحزاب المسلحة، ونحن على موعد مع إعلاء الدولة الوطنية ومؤسساتها؟، هل لبنان وما تمر به من تحديات وتهديد ومنعطفات خطيرة على موعد مع فرصة من أجل لملمة الدولة الوطنية اللبنانية وتوحيد اللبنانيين وإنهاء عقوده الطائفية، أم أنها لا قدر الله تتجه إلى مزيد من المعاناة والفوضي؟، وما هو مصير حزب الله الذى بات يعانى وينزف بغزارة هل يدخل فى غيبوبة ويتواري، أم أنه يستطيع استعادة قواه وتماسكه، وماذا عن الموقف الإيرانى تجاه الحزب، وماذا عن موعد رد طهران المنتظر والذى تأخر طويلاً وكأنه لن يأتي، وإلى أين مسار وطريق تتجه المنطقة، وهل تغرى الانتصارات الزائفة نتنياهو بعد أن صنعت منه بطلاً من ورق لأنه تفوق على بيوت «النعكبوت»، هل تغريه غطرسة القوة ويتمادى فى التصعيد، وهل تقدم إسرائيل على تنفيذ عمل أو اجتياح برى فى الجنوب اللبنانى استغلالاً لضرباتها الموجعة والمزلزلة لحزب الله واغتيال قياداته بدءاً من حسن نصر الله أم أن الأمور ستختلف وتستيقظ إسرائيل على كابوس من الخسائر البشرية وفى الآليات العسكرية، وتتورط فى مستنقع الجنوب كما حدث فى حرب 2006 أم أن المعادلة تغيرت، والسؤال الأبرز هل تجاوزت إسرائيل هدف إعادة المستوطنين الصهاينة إلى مستعمرات الشمال، لتغريها أهدافاً أخرى فى استئصال شأفة حزب الله، وإقامة المنطقة العازلة ليس فقط لإجبار عناصر حزب الله إلى وراء نهر الليطاني، ولكن القضاء على عناصر حزب الله تماماً، والسؤال المهم أيضاً ما هو سر تدفق القوات الأمريكية والبريطانية إلى المنطقة، هل لإجلاء المواطنين الأمريكيين والبريطانيين من لبنان إذا تطلب الأمر، وما سر منح الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل 7.8 مليار دولار قبيل الإقدام على اغتيال حسن نصر الله بحجة دعم عملياتها العسكرية الحالية، وفى وقت متزامن منحت زيلينسكي، أوكرانيا ٨ مليارات دولار، قبل مجيئه إلى نيويورك هل واشنطن مازالت تصر على إشعال الساحة الروسية ـ الأوكرانية، وتأجيج التصعيد فى الشرق الأوسط ولماذا؟.. وهل تخلت إيران عن أذرعها وحلفائها؟، هل هناك صفقات، ترتكز على مصالح عميقة، وماذا بعد نصر الله وإسماعيل هنية، لدى طهران؟، والسؤال المهم الذى يطرحه الخبراء أو المعارضون لإيران، ماذا فعلت طهران للقضية الفلسطينية، ولبنان والعراق واليمن؟.
التساؤلات كثيرة، والجميع أمام قضية ترتيب الأوراق والأفكار وإعادة التقييم لكن التساؤلات مازالت تطارد طهران خاصة منذ اغتيال إسماعيل هنية فى أراضيها ثم موقفها الأخير من انهيار حزب الله واغتيال أمينه العام وقيادات الحزب، ماذا ينتظر المنطقة فى القريب؟