مع الأسف كل الشواهد تقول أن منطقتنا العربية يُمكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية شاملة رغم المزاعم المتكررة بتجنّبها من قبل كل الأطراف، إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، فالحديث للإعلام شيء والواقع بتطوراته المتلاحقة والرهيبة شيء آخر، فلو نظرنا إلى قواعد الردع والاشتباك، التى تدير مسار الحرب فى قطاع غزة سنجد أنها لم تعد قائمة، أو لا تعمل، وتأكد ذلك بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى طهران، وكذلك الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ومقتل فؤاد شكر الذراع اليمنى لزعيم حزب الله حسن نصر الله، وأخيرا إعلان إسرائيل «الأحادي» من جانبها عن مقتل محمد الضيف القائد العسكرى البارز فى حماس فى غارة إسرائيلية استهدفته فى مواصى خان يونس فى يوليو الماضي.
الآن كل طرف ينتظر رد الطرف الآخر، من جانبهم إيران و حزب الله وحماس، يهددون و يتوعدون، ولا محالة سيكون هناك ردّ، فيما يخص الرد الإيرانى المنتظر قد يكون بشكل مباشر أو عبر الحلفاء أوكليهما معًا، والخلاصة أن الصورة النهائية سيرسمها هذا الرد والذى سيحدد أيضا مسارات الأيام القادمة سواء على صعيد الحرب فى غزة أو نزور الحرب التى تدق بين إسرائيل و حزب الله فى جنوب لبنان.
نقطة الفصل فى رأيى ما بين الانزلاق لحرب إقليمية من عدمه ستكون فى القدرة على الموازنة بين الرد على الاغتيالات التى نفذتها إسرائيل وحجمه وأبعاده، وبين محاولات إعادة ضبط وترميم قواعد الردع والاشتباك مع إسرائيل والعودة إلى مسار التفاوض ليس فقط لوقف الحرب فى غزة وتبادل الرهائن، ولكن أيضا للوصول إلى الحل السياسى المأمول للقضية الفلسطينية بحل الدولتين على حدود الرابع من يونيه 1967.
من جانبه نتنياهو لا يريد حل الدولتين وأتصور أيضا أنه ليس لديه أى مانع أن يخوض حربا إقليمية تحت عناوين عدة، أبرزها مصلحته الشخصية ومستقبله السياسي، فالبديل بالنسبة له هو الفشل والخروج من السلطة والمساءلة القانونية، لذلك يحاول نتنياهو إعادة توحيد الإسرائيليين خلفه فى هذه الحرب، وإظهار أن إدارته ترسل رسائل ردع قوية لاستعادة مكانتها التى اهتزت يوم السابع من أكتوبر الماضى وأكبر دليل على ذلك عدم اكتراثه بفاتورة الدماء الكبيرة التى دفعها أهالى قطاع غزة من الأطفال والنساء والشيوخ، فقط لإرضاء غرور نتنياهو حتى لا يقال أنه فشل خاصة أن كل الأهداف التى وضعها لم يتحقق منها شيء وأولها عودة الرهائن المحتجزين لدى حماس.
التطورات الأخيرة تؤكد أن نتنياهو سعى إلى تسويق نفسه داخليا بعمليات الاغتيالات الأخيرة سواء ما اعترفت بها إسرائيل وما لم تعترف رغم أن أصابع الاتهام تشير إليها، وتناسى أن إسرائيل باتت فى عزلة دولية وفى مأزق إستراتيجى وتجاهل نتنياهو الاستقطاب الداخلى الإسرائيلى العنيف إزاء إدارته، ولذلك أقول ان نتنياهو لن يتراجع لو ساقته غطرسته نحو حرب إقليمية.
إيران لديها توازنات و تفاهمات سرية ستضبط معها شكل ردها على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، وبين انتظارالرد والرد المقابل، تموت أحاديث الهدنة وتقتل الصفقات, ويصبح مستقبل الشرق الأوسط أكثر من أى وقت مضى رهين رعونة نتنياهو، و تمسكه بالبقاء فى السلطة ومواصلة الولايات المتحدة دعم إسرائيل بالسلاح وبالفيتو فى مجلس الأمن، كل ماسبق يغذى احتمالات نشوب هذه الحرب الإقليمية حتى لو تحدثت كل الأطراف عن تجنب الوصول إليها، مع الأسف.