في وسط البلد يمكن أن تتوقع حريقاً في كل لحظة، أو كارثة أو أزمة، والسبب هم الباعة الجائلون الذين يغلقون الكثير من الشوارع ليحولوها إلى أسواق، ملابس وأطعمة وخضروات وكثير منها سيىء السمعة في كل مكان من العتبة إلي باب الخلق والشوارع الرئيسية الباعة الجائلون يفترشون الأرصفة ويسيطرون علي مداخل المحلات وكثير منها بالاتفاق مع أصحاب تلك المحلات بل وبمقابل يحصلون عليه.. كثير من الحرائق التى اشتعلت الفترة الماضية كان سببها باعة جائلون الذين يتركون مخلفاتهم القابلة للاشتعال أو المخازن العشوائية التي لا توجد بها أدنى صور الأمان ليصبح السؤال الذى يطرح نفسه .. مطلوب انقاذ شوارع القاهرة من فوضى الباعة الجائلين ومن يستطيع أن يضع حدا لهذه العشوائية التى باتت تحكم المشهد فى أعرق شوارع القاهرة التاريخية؟ بعدما أصبح المشهد مأساويا درجة لا يمكن السكوت عنها.. الجمهورية ناقشت القضية من جميع أبعادها مع المواطنين وأصحاب المحلات والهيئات التشريعية وخبراء فى تحقيق الانضباط والأمن العام ونقابة الباعة الجائلين.. وقد اتفق الجميع على ضرورة وجود حلول توافقية تحقق الانضباط فى العملية التجارية وتعيد للشارع المصرى وجهه الحضاري. . المحافظة لديها خطة تحاول تنفيذها ولجنة الإدارة المحلية ترصد الأمر وتحدد التحديات التي تعطل خطة انهاء العشوائية وصندوق التنمية الحضرية يؤكد أن هناك نقلة كبيرة ستتم للانتهاء من هذه المشكلة التي اصبحت وكأنها سرطان وسط البلد.
البداية من المواطنين وأهالي منطقة وسط البلد يقول: «منتصر» وهو موظف بالتأمينات أن الباعة احتلوا الشوارع والأرصفة دون وجه حق، وعندما يشاهدون رجال الشرطة يلوذون بالفرار هاربين، لدرجة أنهم يؤجرون بعض الأطفال الذين يقفون على نواصى الشوارع التى تأتى منها سيارات الشرطة لتنبيههم قبل إلقاء الشرطة القبض عليهم، وقد زاد الأمر من خلال تعاونهم مع بعضهم وفق المناطق التى يحتلونها، فإذا سمع أحدهم بوجود قوات الشرطة يقومون بإخطار الباقين حتى يأخذوا احتياطاتهم، وبعدما يمضى رجال الشرطة يعودون لفرض سيطرتهم على الشارع مرة أخري، وتتكرر هذه المشاهد بصورة يومية وسط تعطيل حركة المرور وممارسة البلطجة على الزبائن
بينما يوضح عثمان محمد -صاحب محل – أن شوارع القاهرة تم احتلالها من الباعة، ونحن كأصحاب محلات تقدمنا بشكوى للحى لإزالة هؤلاء الباعة لأنهم باتوا يشكلون خطرا بعد تزايد أعدادهم وسرقة التيار الكهربائى من أعمدة الإنارة مما يتسبب دائمًا فى الحرائق الكبيرة التى نسمع عنها، كما أن أغلب بضاعتهم إما مسروقة أو مضروبة وهم يمنعون المحلات التى تدفع للدولة الضرائب من ممارسة حقها الطبيعى فى البيع والشراء فماذا نفعل وإلى من نلجأ؟
فيما توضح هدى – ربة منزل – أن أزمة الباعة الجائلين ليس لها حل لأنهم يتواجدون فى الشوارع ليلا ونهارا، مقترحة إنشاء أسواق حضارية لهم بعيدا عن المحافظة، وأن تضع محافظة القاهرة لهم ضوابط وتعليمات بالتواجد فى هذه الأسواق الحضارية لضمان عدم عودتهم مرة أخرى إلى افتراش الأرصفة والشوارع، وهذه هو الحل من وجهة نظري، وليس الحل تكثيف حملات التخلص منهم لأنها تحدث بشكل يومى ومع ذلك لا يغادرون أماكنهم.
بينما يسأل على أبو المجد – صاحب محل – عن سبب السكوت على هؤلاء البلطجية فهم لا يكتفون بالبيع فقط، وإنما يثيرون المشكلات ويتعاملون مع الناس كأنهم أصحاب مكان يتحكمون فى خلق الله، علما بأنهم فى نظر القانون مخالفون، فلا يجوز لهم افتراش الشارع ببضائعهم، فنحتاج تأمين محلاتنا ووضع حل لهؤلاء الباعة الجائلين خاصة أن هذه العشوائية ينتج عنها حرائق وكوارث
سؤال آخر من محمد عبدالمنعم ـ محام -:لماذا لا يتم عمل محاضر لهؤلاء الباعة؟ فوجودهم بهذا الشكل المبالغ فيه يثير العديد من الأسئلة فى ظل حرص الدولة إعادة هيبة القانون، فلماذا لا يكون هناك وقفة حاسمة وسريعة لإنهاء هذا المشهد، وحماية المواطنين والشوارع من هذه الفوضى التى تضرب هيبة القانون؟
أشار المهندس خالد صديق رئيس صندوق التنمية الحضارية إلى أن مشاكل الباعة الجائلين متجذرة فى مناطق الموسكى والعتبة وبعد سلسلة الحرائق المتكررة فى هذه المناطق نتيجة للسلوكيات العشوائية لهؤلاء الباعة يتم الآن عمل دراسة شاملة لهذا الملف بهدف إنشاء أسواق بديلة حديثة بأماكن قريبة وتوفير المواصلات لها، مضيفا أنه يجب خلق أسواق بديلة منظمة مثلما يحدث فى الدول الأوروبية وتقنين أوضاع الباعة الجائلين حتى تستطيع الدولة تحصيل الرسوم والضرائب المستحقة،وتنظيمهم فى أماكنهم البديلة لأنه يتم دراسة كل نشاط على حدة لاختلاف الأنشطة، لذلك نعمل على تشريح المكان بالكامل وأماكن سكن هؤلاء الباعة لمراعاة ذلك أثناء نقلهم للوصول إلى حلول نهائية وناجحة،لأن هناك أنواع سلع مثل المأكولات والمشروبات لن يتم نقلها ولكن تنظيمهم بشكل حضارى فى المكان يليق بالجمهورية الجديدة
قال صديق: لا بد من تكوين إدارة من محافظة القاهرة تشرف على هؤلاء الباعة وتسجيل بياناتهم وأنواع السلع وسوف يتم إلغاء السلع التى تمثل خطورة على حياة المواطنين مثل تجارة الألعاب النارية وغيرها،وإصدار التراخيص لهؤلاء الباعة وسحب ترخيص من يخالف تعليمات هذه اللجنة المنظمة ليكون عبرة لغيره، وسوف يتم التعامل مع الجمعيات الأهلية فى حل مشاكل هؤلاء الباعة الجائلين عن طريق تنظيم مجموعة من الدورات التثقيفية لهم تشرح كيفية الحفاظ على النظام والتعامل مع الأزمات فى بدايتها،مشيرًا إلى أن الدولة نجحت فى تنفيذ مجمع حرفى ومهنى وتجارى فى مدينة منشأة ناصر على مساحة 60 فدان لاحتواء الحرف والورش القديمة المتواجدة فى قلب القاهرة مثل شارع المعز وغيره من الأماكن السياحية التى لا يليق بها تواجد العشوائية كونها مزارًا سياحيًا وهذا ما سيحدث أيضًا فى ملف الباعة الجائلين لأن الدولة تحارب العشوائيات على جميع المستويات وليس العشوائيات السكنية فقط.
أوضح النائب أحمد السجينى رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أن قضية الباعة الجائلين قضية إرادة أولا، لأنه لا يوجد فراغ تشريعى فى تناول مسألة التجارة الفوضوية أو التعدى على الطرقات والأرصفة، فلدينا قانون إشغال الطرق العامة، ولكن حل هذه المشكلة يستوجب وجود إرادة لحلها.
تابع «السجيني» : لا بد أن نضع فى الحسبان المقاربات الاجتماعية عند التعامل مع تلك الأزمة، لاسيما ونحن نتعامل مع ظاهرة تبدو كأنها عمل فردي، ولكن عند دراسة قضية الباعة الجائلين سنجد أن الأمر تحول إلى «فوضى مؤسسية» وكيانات تنظم وقوف هؤلاء الباعة بطريقة معينة ومقابل معين، وهو ما يتطلب من الجميع وقفة حاسمة، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك أسواق بديلة يتم تسكين الباعة فيها من خلال محاضر تحريات يتم من خلالها رصد الاسم والنشاط والمنطقة.
موضحا أن إقامة أسواق بديلة تواجه ثلاثة تحديات، أولها توفير الأراضى المخصصة لتلك الأسواق، وهذا التحدى له أكثر من حل حيث ناقشناه فى لجنة الإدارة المحلية من خلال مقترحات أهمها الاستبدال العينى فى قرارات نزع الملكية أو نقل الولاية من الإصلاح الزراعى لأملاك الدولة، والتحدى الثانى تكلفة السوق نفسه والميزانية المعتمدة له، والتحدى الثالث يتمثل فى توعية الباعة بالانتقال إلى السوق البديل الذى يجب أن يكون فى منطقة ذات كثافة سكانية، مضيفا أن لباعة أصبحوا غير جائلين لأنه يضعون أيديهم على أملاك دولة عامة(طرق وأرصفة وغيرها)
بينما أكد د. سهير حواس ـ الرئيس السابق للجهاز القومى للتنسيق الحضارى أن الباعة الجائلين من أهم أسباب اندلاع الحرائق بمناطق وسط البلد بسبب سرقة التيار الكهربائى والسلوكيات العشوائية الخاصة بهم لذلك يجب أن يتم تنظيمهم وتحويلهم من أسواق عشوائية إلى أسواق مفتوحة متحضرة مثلما يحدث فى الدول المتقدمة عن طريق تقسيم الشوارع بطريقة جيدة وتوفير مسارات مشاة وممرات وسط الباعة الجائلين تسمح لسيارات الإطفاء بالتحرك بسهولة فى حالة نشوب حريق ،وأيضًا جمع القمامة يوميًا بطريقة منتظمة وصحيحة لأنها ممكن أن تكون مصدرًا للحريق وترخيص المحلات المتواجدة بهذه المناطق وعربات اليد المتواجدة وإعلان أسم البائع المتجول وبياناته فى رخصة تعلق على هذه العربة وتوفير سيارات تمد هؤلاء الباعة بالكهرباء ومصادر للمياه وحمامات عامة ،وضرورة وجود طفاية حريق مع كل بائع وتدريبه على التعامل مع الحرائق فى البداية قبل أن يندلع بصورة كبيرة ويصعب السيطرة عليه خاصة فى الشوارع الضيقة التى يصعب الوصول لها من خلال سيارات الإسعاف ومتابعة ذلك من خلال الدفاع المدني.
مطالبة بإخلاء مداخل العمارات والبيوت من البضائع وكذلك الشقق السكنية التى يتم تحويلها إلى مخازن لأن هذه الأمور من الأسباب الرئيسية التى تساهم فى حدوث الحرائق وصعوبة السيطرة عليها،إضافة إلى تشويه المظهر الجمالى للمبانى التراثية فى هذه الأحياء
يتفق معها اللواء ممدوح عبد القادر ـ مدير إدارة الحماية المدنية السابق موضحا أن من بين أسباب انتشار الحرائق فى أسواق وسط العاصمة، بعض الأنشطة للباعة الجائلين الذين يستخدم بعضهم أسطوانات غاز ووسائل غير مطابقة للمواصفات القياسية،ويتخلصون من بقايا مخلفاتهم بطريقة عشوائية،وكذلك عشوائية التوصيلات الكهربائية من جانب الباعة حتى وصل الأمر إلى مد توصيلات الكهرباء من أعمدة الإنارة الرئيسية باستخدام أسلاك رديئة الجودة مما يؤدى إلى اشتعال الحرائق الكارثية.
تابع رئيس الحماية المدنية السابق أنه يجب تقنين أوضاع الباعة الجائلين عن طريق تحديد مواعيد حضورهم وانصرافهم من تلك الأسواق مثلما يحدث فى الدول المتقدمة حتى نتيح الفرصة للأجهزة المعنية بتطهير المنطقة بعد مغادرتهم،إضافة إلى إصدار ترخيص لهؤلاء الباعة وسحبها من البائع فى حالة عدم الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة خاصة أن هناك من يقوم ببيع بضائع قابلة للاشتعال فى غياب معايير السلامة المهنية مثل الصواريخ والألعاب النارية.
من جانبه أوضح النائب إيهاب أنيس ـ عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب ـ لدينا تشريعات وقوانين كافية لتنظيم الباعة الجائلين ومواجهة السلبيات الناتجة عن بعضهم ولا نحتاج إلى قوانين جديدة لهذه الفئة من المواطنين التى تسعى لكسب الرزق بطرق مشروعة، مضيفا أن الدولة تسعى جاهدة لتنظيم عمل الباعة الجائلين ونقلهم إلى أماكن تليق بالجمهورية الجديدة تكون معروفة للجمهور لسهولة الوصول إليهم وهذا ما يتم تنفيذه الآن عن طريق إنشاء الأسواق الذكية والحديثة فى أغلب المحافظات لنقل هؤلاء الباعة إليها حتى لا تتكرر حوادث الحرائق وغيرها من المشاكل الموجودة حاليًا نتيجة لغياب معايير السلامة والنظام، مشيرًا إلى أن هؤلاء الباعة منتشرون فى كل الدول المتقدمة ولا ينتج عن ذلك مشاكل مطلقًا وذلك يرجع إلى تنظيمهم بطريقة جيدة والحفاظ على معايير الأمن والسلامة.
رمضان الصاوى نائب رئيس نقابة الباعة الجائلين أوضح أن البائع المتجول يسعى إلى الحصول على رزقه بالطرق الحلال المشروعة ومن مصلحته الحفاظ على مكانه وعدم حدوث مثل هذه الحرائق التى تلتهم بضائعه وتعرضه لخسائر مالية كبيرة،مشيرًاأن هناك من الباعة من يرتكب سلوكيات عشوائية قد تساهم فى حدوث مثل هذه الكوارث ولكن يحدث ذلك دون تعمد ونتيجة لجهل بعض الباعة بمعايير السلامة والنظام طبقًا للقوانين الحماية المدنية، وعليه يجب تثقيف هؤلاء الباعة عن كيفية التعامل مع الأزمات.
أضاف الصاوى أن الحل أيضًا يأتى عن طريق تنظيم هؤلاء الباعة فى أماكنهم ومتابعتهم من خلال الأجهزة الرقابية فى الأحياء وليس نقلهم إلى أماكن بديلة لأن الأسواق البعيدة لا يصل إليها المواطن بسهولة مما يجعل الباعة يهربون مرة أخرى إلى الشارع.
أعلن نائب رئيس نقابة الباعة الجائلين أن الباعة مع أى قرارات تتخذه الدولة وتنظيمهم بشكل يليق بالجمهورية الجديدة خاصة فى ظل ما حدث من مجال تطوير العشوائيات..قائلاً: نحن على كامل الاستعداد لدفع الضرائب أو رسوم تساهم فى الحفاظ على تواجدهم بشكل يمنع تكرار الحوادث المأساوية التى حدثت.