توثيق 15 نوعاً من الأشجار وأكشاك ذات طابع معمارى مميز لسور الكتب
400 عامل وفنى ومهندس فى معركة مع الإهمال لإحياء التاريخ
الحفاظ والتجديد.. وإعادة البناء والتأهيل.. منهجية التطوير على مساحة 10 آلاف فدان
واحدة من أشهر الحدائق التى ارتبط تاريخها بواحد من أشهر الميادين فى مصر ليس هذا فحسب بل ارتبط بحركة الثقافة على مدار عقود من خلال سورها الشهير الذى يجمع بين أركانه آلاف الكتب والمطبوعات النادرة وداخلها جلس العديد من الملوك والأمراء يستمتعون بطبيعتها الساحرة وعلى مسارحها كانت حفلات النبلاء وعظماء الطرب فى مصر والوطن العربى شاهدة على عظمة حديقة الأزبكية تلك القطعة التاريخية التى يمتد عمرها لأكثر من مائة وخمسين عاماً وظلت لسنوات شاهدة على تاريخ القاهرة الخديوية قبل أن تمتد إليها يد الإهمال وتتحول إلى مخازن للباعة الجائلين فى منطقة العتبة الذين ينتشرون خارج أسوارها قبل أن تعلن الدولة خطة تطويرها للحفاظ على ما تضمه من كنوز أثرية ولتعيد للمنطقة تاريخها ضمن خطة إحياء تاريخ المحروسة.
تعد حديقة الأزبكية التى تم إنشاؤها عام 1872 على يد المهندس الفرنسى باريللى ديشان إحدى أعرق الحدائق النباتية التى تم تخطيطها على مساحة 18 فدان قبل أن يتم استقطاع أجزاء منها لبناء بعض المنشآت مثل مسرح العرائس وسنترال العتبة لتصبح مساحتها الحالية 10 أفدانة بما يعادل 42 ألف م2.
«الجمهورية» رصدت ما تقوم به وزارة الإسكان من أعمال تطوير داخل الحديقة من خلال شركة المقاولون العرب ممثلة فى إدارة المنشآت المتميزة والتى عكفت بالتعاون مع وزارة الآثار على إعادة المكان بما يضمه من مقتنيات تراثية وأشجار أثرية لما كان عليه فى عهد القاهرة الخديوية، وكذلك تطوير وإعادة تأهيل نادى السلاح بما يتناسب مع قيمته التاريخية والتى تعود إلى عام 1891 وعلى رئاسته تعاقب الملوك والأمراء وعليه أطلق الملك فاروق اسم النادى الملكى وكان رئيساً فخرياً له.
يأتى مشروع تطوير الحديقة ضمن المرحلة الثانية لتطوير القاهرة الخديوية حيث شملت المرحلة الأولى تطوير ميدان التحرير وشارع قصر النيل بالكامل من خلال تحسين الصورة البصرية له وتنفيذ أعمال إضاءة مميزة لمبانيه تعود به لعصر الخديو إسماعيل بمبانيه التراثية التى مازال الكثير منها يقف شاهداً على النهضة العمرانية فى عهده.
المكونات الرئيسية
تتكون الحديقة من خمسة عناصر أساسية تعد المكون الرئيسى لها حيث بحيرة تمتد على مساحة 1100 م2 ومسطحات خضراء تصل مساحتها إلى 26 ألف م2 ومسارات للمارة على مساحة 10 آلاف م2 وأماكن انتظار بمساحة 3.6 ألف م2 بجانب ما تضمه من أماكن تراثية حيث قبة التاج الملكى والنافورة الأثرية وبرجولة التبة والمسرح الرومانى والبرجولات الأثرية ومطعم تراثى ومناطق الخدمات بجانب مجموعة من الأشجار الأثرية والتى تم توثيقها بالكامل من خلال وزارة الإسكان والدكتور ماهر استينو استشارى المشروع.
وعلى قدم وساق يسابق رجال المقاولون العرب الزمن من خلال قرابة 400 عامل وفنى ومهندس من أجل الانتهاء من أعمال تطوير حديقة الأزبكية نهاية يناير المقبل فى حين من المقرر الإنتهاء من أعمال تطوير نادى السلاح نهاية أبريل المقبل مع توفير أكشاك بديلة مصممة على طراز يحاكى تصميم الحديقة ومؤمنة ضد الحريق لنقل باعة الكتب بسور الأزبكية والباعة الجائلين بمحيط الحديقة والذين تم حصرهم من قبل محافظة القاهرة.
توثيق التطوير
عن أعمال التطوير التى تمت بحديقة الأزبكية يوضح المهندس خالد ريان رئيس قطاع المنشآت المتميزة بالمقاولون العرب المشرف على تنفيذ المشروع بأنه تمت الاستعانة بكافة الصور التى تحفظ تاريخ الحديقة لمعرفة ما كانت عليه قبل أن تمتد إليها يد التخريب والعشوائية فمع بداية الأعمال قبل عامين كانت المنطقة مرتعاً للباعة الجائلين ومخازن لبضائعهم ودورات مياه عمومية بجانب تشوينات أعمال الخط الثالث لمترو الأنفاق وهو ما أفقدها الكثير من معالمها لذا كان لابد من الاستعانة بما حفظته الصور القديمة من معالم لإعادتها لما كانت عليه.
يضيف: أن الحديقة تقع على 4 شوارع رئيسية بكل شارع بوابة لها حيث بوابة شارع على الكسار وبوابة شارع الجمهورية وبوابة شارع الأزهر وأخيراً بوابة سور الكتب وقد تم تصميم البوابات الأربع بتفاصيل تتطابق لما كانت عليه فى الماضى من حيث التشكيلات المعمارية مع عمل جراجين لانتظار السيارات داخلها.
التبة الأثرية
ويكشف أن منطقة التبة الأثرية والتى تطل على البحيرة كانت الجزء الوحيد المتبقى كما هو فى المشروع وأوضحت الصور المحفوظة أنه كان يعلوها برجولة من جذوع النخيل وهو ما تم تنفيذه مرة آخرى ولكن من مواد أسمنتية بداخلها الحديد المسلح لضمان عنصر الاستدامة وعدم التأثر بعوامل الجو لكن تم تشكيلها من خلال فنان تشكيلى بشكل جعلها تبدو كجذوع نخل حقيقية لتتماثل مع البرجولة القديمة التى كانت تعلو منطقة التبة ويحيط بالتبة مجموعة من الأشجار التراثية التى تم تصويرها وتوثيقها من خلال لوحات توصيف مدون عليها اسم الشجرة وتاريخ زراعتها وموطنها الأصلى وسيتم تضمين تلك العلامات بـ«QR» يتم مسحه من قبل الزائر للحديقة ليتمكن من معرفة كافة البيانات الخاصة بها وفائدتها فى الوقت الذى تم الاهتمام زراعياً بهذه الأشجار لأنها كانت مهملة فى الماضى وتضم الحديقة 15 نوعاً من الأشجار التى تم توصيفها.
وقد تم توصيف 15 نوعاً من الأشجار التراثية داخل الحديقة وهى اسباثوديا، بونسيانا، بوهينيا، ياسمين هندي، ارترينا انديكا، ارثرينا كفرا، تمر حنة، بوكافيا، كايا، لبخ، كاسيا ندوزا، جكرندا، كاسيا جلوكا، المريمية، وصفصاف.
النافورة الآثرية
وفى مقابل التبة توجد البحيرة التى تمتد على مساحة 1100 م2 يعلوها2 كوبرى من الخشب يسمحان بالانتقال من المسرح الرومانى الذى يقع على أحد جانبها ويضم 3 مصاطب تتسع لـ 300 فرد كذلك قبة التاج الملكى وهى الركن المفضل للملك فاروق فى الحديقة، إلى الجانب الآخر حيث تتواجد النافورة الآثرية والتى تم تطويرها تحت إشراف وزارة الآثار وشملت أعمال التطوير تركيب الأجزاء المتهدمة من الرخام الذى يكسوها بنفس نوع ودرجة الرخام الأصلى وإعادة تشغيل نظام المياه الخاص بها مع توفير إضاءة كاملة ليلية ضمن الدراسة الضوئية التى تم إعدادها للحديقة بالكامل.
ونافورة الأزبكية شيدت فى عهد الخديوى إسماعيل عام 1863 حيث تم جلبها من أحد القصور الخاصة بها وأعيد تركيبها بالمكان وهى عبارة عن مبنى مستطيل بواجهة رخامية من ثلاثة اتجاهات فيما عدا الواجهة الرئيسية فى الناحية الشمالية فهى تنقسم إلى خمس مناطق طولية ويظهر بها براعة الفنان فى عمل الزخارف النباتية البارزة على الرخام وظهور التأثيرات العثمانية فى الزخارف حيث هلال وثلاث نجوم شعار الأسرة الحاكمة من أبناء محمد على وقد تم تسجيل النافورة ضمن الآثار الإسلامية والقبطية عام 1986.
ويضيف المشرف على المشروع أن قبة التاج وجدت ترتفع على ثلاثة أعمدة فقط فى حين أظهرت الصور القديمة وجود عمود رابع وهو ما تم تصميمه على نفس الطراز لإعادة القبة لما كانت عليه بجانب إنشاء 6 برجولات بنفس التصميم الذى كانت تتواجد عليه فى الماضى بخلاف برجولة التبة.
مطعم تراثي
تضم الحديقة مطعماً مكوناً من طابقين فى مواجهة بوابة على الكسار وكان قد اختفى مع الإهمال الذى طال كل أجزاء الحديقة لكن تمت إعادته بنفس الصورة التى عليها مع وجود كافتيريا وتخطيط منطقة ألعاب للأطفال و4 دورات مياه والبلازا المحيطة بالبحيرة لتضحى حديقة الأزبكية مع الانتهاء من تطويرها متنفساً لمنطقة القاهرة الخديوية بالكامل فهى الحديقة الوحيدة بالمنطقة بجانب حديقة الأزهر وقد تم إنشاء مبنى خاص بالإدارة لضمان الحفاظ على ما تم بها من أعمال.
أهم التحديات
وعن التحديات التى واجهت فريق العمل فى المشروع أوضح المهندس خالد ريان رئيس قطاع المنشآت المتميزة بالمقاولون العرب أن أول تحد تمثل فى كيفية إعادة التراث كما كان لتضحى الحديقة بالصورة التى كانت عليها فى عهد الخديو وكانت الإشكالية هنا فى تطوير مكون غير متواجد على أرض الواقع وهذا تحد كبير أن تصنع مكوناً من البداية ويبدو بصورته الأثرية كما تم فى الأسوار والبوابات والبرجولات وبرجولة التبة والمطعم، وتمثل التحدى فى أن أعمال التطوير تتم فوق سقف المترو وهو ما تم التعامل معه من خلال عزل الأرضية بالكامل واختبارها لضمان عدم تأثر المترو بأعمال الزراعات التى تتم وتم عمل نظام صرف لمياه الرى ونقلها لخطوط الصرف الموجودة فى المنطقة كما تم عزل هوايات المترو حيث توجد 6 هوايات داخل الحديقة لتكون بعيدة عن الزراعات والري.
الباعة الجائلون
ويؤكد المهندس خالد ريان أن التعامل مع الباعة الجائلين المتواجدين فى المنطقة كان من أقوى التحديات خاصة أنهم كانوا يتعاملون مع المكان باعتباره ملكية خاصة وتم التعامل مع الموقف بحظر شديد جداً لعدم حدوث أى مشاكل تعيق عملية التطوير وقد تم حصر كافة الباعة فى المنطقة ويبلغ عددهم 152 بائعاً شاملين باعة الكتب وعددهم 132 كشكاً والأكشاك المتواجدة فى المنطقة وعددهم 20 كشكاً وسيتم نقلها خلال شهرين للأكشاك التى تم تنفيذها على نفس الطراز التراثى للحديقة.
نادى السلاح
وعن أعمال التطوير التى تتم فى نادى السلاح أوضح المهندس خالد ريان أنه تم نقل كافة المقتنيات الأثرية داخل النادى من سيوف تاريخية وأجهزة تليفونات والأسلحة التى كانت تتواجد داخل تابلوهات زجاجية بشكل موثق بجانب الأثاث والفرش الأثرى للنادى من قبل وزارة الشباب والرياضة قبل البدء فى عملية تطوير وإعادة تأهيل المبنى الذى يمتد على مساحة ألفى متر مربع داخل طابقين خارج أسوار الحديقة فى مواجهة منطقة الأزهر.
تحسين الصورة البصرية
أضاف أن أعمال التطوير لن تقتصر على حديقة الأزبكية حيث تشمل أعمال تحسين الصورة البصرية لكافة المبانى المطلة عليها ومن ضمنها جراج الأوبرا حيث سيتم تطويره على النسق المعمارى الذى يتماشى مع تاريخ المنطقة نفس الأمر فيما يتعلق بسنترال الأوبرا والذى ستأتى أعمال تطويره فى المرحلة التالية.
وقال المهندس خالد ريان رئيس قطاع إدارة المنشآت المتميزة بالمقاولون العرب: لدينا كم هائل من الأماكن التاريخية والتراثية والاهتمام بها وتطويرها يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصرى حيث يساهم التطوير فى زيادة أعداد السائحين وهو ما وضعته الدولة نصب أعينها وبدأت فى خطة تطويرها القاهرة الخديوية وإحياء تاريخها كمنارة ثقافية وهو ما سيجعل من تلك المنطقة مفتحاً مفتوحاً خلال ثلاث سنوات بما يضمه من مبانٍ تراثية تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة.