عقب اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية فى فبراير 2022.. ومع بدء ارهاصات تشكيل نظام عالمى جديد يحل بديلاً للنظام الحالي.. كتبت مقالاً قلت فيه ان العرب أمام فرصة تاريخية ليكونوا جزءاً مهماً ومؤثراً وفاعلاً فى النظام العالمى الجديد وأحد مكوناته التى من شأنها ان تحدث التوازن وتتوفر لهم كافة مقومات ذلك ولديهم كل شيء من عناصر القوة والقدرة والفاعلية.. فالعرب بما لديهم على صعيد العنصر البشرى والاقتصادى والموقع الإستراتيجى لابد أن يكونوا جزءاً مهماً ربما الأهم فى المعادلة العالمية.. وهو ما يتطلب وجود إرادة عربية تستوعب حجم التحديات والمتغيرات فى هذا العالم والإقليم وقد تكشفت الأمور بعد التطورات الجيوسياسية فى المنطقة والتصعيد المتلاحق والخطير الذى يشير إلى حاجة الأمة العربية إلى صياغة جديدة لكل شيء فى وحدتهم وتكاملهم وامتلاك الإرادة والإيمان بأنه لا سبيل لمواجهة التحديات والتهديدات التى تحدق بالعرب.. خاصة ان المنطقة هى أكثر مناطق العالم استهدافاً واشتعالاً وأطماعاً على مدار العقود الأخيرة.. تعاظمت فى السنوات الأخيرة وصلت إلى ذروتها بالعدوان الصهيونى على قطاع غزة ولبنان لتضاف إلى سجل التحديات والأزمات التى تشهدها ليبيا والسودان وسوريا واليمن والصومال وقبلهم بطبيعة الحال وما جرى فى ثورات الخراب العربى بالإضافة إلى ان الجزء الأكبر والأهم من ثروات العالم يوجد فى المنطقة العربية وفى حوزة العرب الذين تتوفر لهم كافة الامكانيات والقدرات ليتحولوا إلى قوة عظمى لكن هناك خطوات كثيرة مطلوبة على طريق الوحدة والتكامل تبدأ من إنهاء الخلافات العربية- العربية التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى المقاطعة ثم فتح صفحات جديدة والوصول إلى قناعة ثابتة وراسخة.. انه آن الأوان لتكون هناك وحدة وتكامل عربى حقيقى وشامل.. وان يتحول العمل العربى المشترك إلى شراكة عربية إستراتيجية ليست ثنائية أو ثلاثية أو خماسية ولكن ان تكون الدول العربية جميعاً فى إطار وحدة شاملة.
قبل أشهر من الانتخابات الأمريكية استحوذت المفاضلة بين كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطى ودونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى وأيهما أفضل للعرب وقضاياهم ومستقبل المنطقة والصراع العربي- الإسرائيلى وأيضاً تطورات ومصير الأزمات الحالية فى المنطقة على الشارع العربى وشعوب هذه الأمة بمفكريها ونخبها ومحلليها ومنظريها.. الأمر تعدى وتجاوز مرحلة الفضول أو حب المتابعة والاستطلاع ولكن ارتبط عند الأغلبية بالمصلحة والمستقبل والمصير ومنهم من كان يفاضل بدافع الخوف من اسما على حساب آخر.. وعندما نجح ترامب بدأ الحديث يأخذ مساراً مختلفاً وبدأ الشارع والإعلام العربى يناقش وهذا أمر حميد.. لكن ما ليس حميداً هو ربط نجاح ترامب وهذه وجهة نظرى بمستقبلنا ومصيرنا وأحوالنا وقضايانا انتهينا من هذه النقطة ودخلنا فى أمر آخر هو حديث الشارع والإعلام العربى عن فريق الإدارة الأمريكية الجديد الذى اختاره ترامب لقيادة أمريكا اعتبارا من 20 يناير القادم.. الكثيرون متشائمون من الأسماء التى اختارها ترامب وصنفوهم أنهم من الصقور فإذا كانوا يؤمنون كما يرفع الرئيس المنتخب الشعار هو عودة أمريكا العظيمة إلا أنهم جميعاً من المتعصبين والمتشددين والمؤيدين للكيان الصهيونى بشكل سافر.. خاصة وزير الدفاع الجديد ووزير الخارجية حتى السفير الأمريكى المرشح لإسرائيل لا يخجلون من إعلان أنهم ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ومع الكيان الصهيونى قلباً وقالباً.. وهنا ارتفع ترمومتر التشاؤم خاصة مع تجربة دونالد ترامب فى ولايته الأولى عندما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.. واعترف باحتلال الجولان وسيادة إسرائيل عليها.. وأيد التوسع الاستيطانى الصهيونى على حساب الأراضى الفلسطينية.
الحقيقة ان هذه النغمات أو المشهد أو الحالة فى الشارع العربى أو تعليقات وتحليلات الخبراء لم تعجبنى وان كانت للأسف واقعاً لأنها ببساطة تعنى ان البعض يفكر بطريقة ان مصيرنا ومستقبلنا رهن رئيس أمريكى أيا كان وإدارته الجديدة.. وللأسف مع كل انتخابات أمريكية فى الخمسة عقود الأخيرة على الأقل يبرز مثل هذا المشهد فى الشارع العربى والاهتمام الكبير فى العقل العربي.. ليس من قبل المعرفة والتحليل ولكن طبقا لحسابات الخشية والخوف من صعود أو نجاح رئيس بعينه أو حزب بعينه والحقيقة أيضاً ان هذا يعكس مدى استشعار الشارع أو المواطن العربى ان الأمة فى حاجة إلى مزيد من الوحدة والتكامل والاتحاد والتكامل وما يحقق لها أعلى درجات القوة والقدرة والردع ولا يجب ان نهتم بمن سيأتى ومن يرحل لأننا نملك أقدارنا وقرارنا فليس هناك أسوأ من إدارة أوباما الذى جاء بنكبة ومؤامرة الربيع العربى وأصاب المنطقة العربية بخراب ودمار وفوضى وأزمات والحقيقة أننى لا أخفى اعجابى بتجربة الرئيس عبدالفتاح السيسى ليس لأنى مصرى ولكن لأنها تخاطب الواقع وقرأت الحاضر والمستقبل وتؤمن ان الأوطان لا تترك للصدفة أو الظروف أو الرياح المفاجئة ولكن لابد ان تقف هذه الأوطان على أرض شديدة الصلابة من خلال الآتي:
أولاً: ان «مصر- السيسي» تتحرك بقوة وبنوايا صادقة من أجل تعزيز العمل المشترك والدفع نحو الوحدة والتكامل والتضامن العربى الشامل ودائماً ندعم القضايا العربية ونسعى إلى إحداث حالة من التقارب العربى وإنهاء الأزمات التى تعيشها بعض الدول العربية فى ليبيا وسوريا واليمن والسودان ودائما ندعو إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا والحفاظ على سلامة ووحدة وأراضى هذه الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.. أو انتهاك سيادتها وأهمية ان تجلس كافة الأطياف والقوى السياسية على مائدة الحوار الوطنى الذى من شأنها ان تعيد للدولة الوطنية ومؤسساتها القوة والقدرة وتستطيع بذلك مجابهة التحديات والتهديدات وتحقيق الأمن والاستقرار.. والحقيقة ان من يقرأ علاقات مصر بشقيقاتها العرب فهى علاقات نموذجية سواء علاقات القاهرة بالأشقاء فى الخليج أو جميع الدول العربية الأخرى وبقراءة دفتر أحوال اللقاءات والاتصالات والزيارات تجد ان هناك حالة من الزخم على كافة الأصعدة ولا يوجد أى نوع من المشاكل بين مصر وأى دولة عربية وتدعم القاهرة أمن واستقرار ووحدة أراضى وسيادة الدول العربية.. وموقف مصر من القضايا والأزمات فى السودان والصومال ولبنان والقضية الفلسطينية يشير إلى الدور العظيم والكبير لمصر فى الحفاظ على دول الأمة العربية.
ثانياً: الرئيس السيسى لديه قناعة وإيمان ورؤية ثاقبة ان مستقبل مصر ليس مرهوناً بأحد وأن قرارها الوطنى ليس تابعاً لأى قوة.. ولا تفرق معها من سيأتى ومن سيرحل.. لان لديها ثوابت ومعايير وتوازناً ونموذجاً و«باترون» للعلاقات والسياسات الدولية تحافظ على حالة الاتزان والتوازن الإستراتيجى وترفض الاستقطاب ولكن عبقرية الرئيس السيسى تجلت فى بناء قواعد القوة والقدرة والردع فى دولة حديثة وجمهورية جديدة قادرة على الحفاظ على أمنها القومى وفرض سيادتها وحماية حدودها وأراضيها وثرواتها ومقدراتها.. لذلك لا نرهن مستقبلنا طبقاً لأحوال واختيارات أو قدوم أو رحيل الآخرين.. لدينا ثقة فى أنفسنا وقدراتنا ومصر أكبر من ان تراهن على نجاح مرشح بعينه وان كان عاقلاً حكيماً متوازناً ومحترماً لثوابتنا فأهلاً وسهلاً.. فلطالما دقت على الرءوس طبول.. ولم تتغير أو تتزحزح مصر عن مواقفها.