الجاهلون بحرمة السعادة ، الغيورون من لحظات الفرح ، الذين خابت ظنونهم فيما أخفت قلوبهم ، يحاولون افساد ذلك المشهد العسكرى المهيب الذى لم تره من قبل ولن تره من بعد، افتتاح أكبر وأحدث صرح للتعليم والتدريب والإعداد العسكرى فى العالم ليكون « قلعة صناعة الرجال « ومصنعها الذى لا يتوقف ما دامت الحياة ، اتجهت الأنظار إلى حيث علا البنيان فى العاصمة الإدارية الجديدة حيث الكيان العسكرى العملاق الذى يعكس ارادة وقدرة المصريين على صنع المستحيل ، حاول بعض المرتزقة وبعض النائحات المستأجرات تحويل الأنظار عن الحدث الأكبر والأعظم بنثر بعض الشائعات الرخيصة حول بعض التفاصيل الصغيرة فى محاولة مفضوحة لتشتيت المتابعين عن أصل الحكاية ، فى طريقى إلى العاصمة الإدارية لحضور هذه الفعالية العظيمة خلال هذا الشهر العظيم ، كنت أتابع الاخبار عبر منصات ومحطات الإذاعة فى السيارة ، كان العنوان الرئيس فى كل النشرات هو الحرب والصراع والقتل والتدمير ، فى لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن والسودان ، لا صوت يعلو فوق صوت الضحايا والقتل والإبادة والتشريد واللاجئين والنازحين ، شعرت بأننى أغرق فى مستنقع الصراع حتى شعرت بالاختناق ، وفجأة نبهنى السائق اننا دخلنا بوابات العاصمة ، بدأت أنظر الى جانبى الطريق وارى البنايات الشاهقة والأحياء الممتدة والمصالح الحكومية والنظام والنظافة كعنوان أصيل للمكان ، اخترقت السيارة الأحياء الممتدة على مدد الشوف حتى وصلنا إلى «الكيان» ويمكن القول باختصار هى تحفة معمارية مصرية عصرية يمكن أن تشكل مع غيرها صورة جديدة للدولة المصرية لتفخر بها الأجيال القادمة مثلما نفخر نحن بحضارات الأجداد الفراعنة ، كنت أفكر فى هذه الأثناء فى أمر واحد سيطر على مشاعرى وعقلى فى آن ، كيف استطاعت الدولة المصرية بقيادتها السياسية وسط هذه الحرائق الممتدة بطول الأقليم ان تخلق البيئة التى تستطيع فيها بناء كل هذه الصروح العملاقة ؟ كيف تتحدث الدول حولنا حول الحرائق والصراعات والدمار والخراب فى نفس الوقت الذى يعلو بنيان الدولة المصرية دون توقف رغم كل الصعاب والأزمات ؟ كيف استطعنا النجاة من محرقة الصراع والتقسيم ولم نتورط فى حرب من الحروب التى كانت منصوبة لنا كى نغرق فى مستنقع الصراع الذى لم ولن يأتى بخير ؟ لذلك دخلت الاكاديمية وجلست أتابع تلك العروض العسكرية وذلك الاستعراض العبقرى لقواتنا المسلحة بكافة تشكيلاتها على الهواء مباشرة امام العالم ، هل هذا الحفل وهذا الاحتفال فى هذا المكان – العاصمة الإدارية الجديدة – وهذا الزمان – شهر الانتصارات – يسعد اعداءنا ؟ بالطبع هناك من لا يعملون ويسيئهم ان يعمل غيرهم ، وهناك الغيورون مما تشهده مصر من استقرار وتطور وهناك الحاقدون وهناك الخونة والمرتزقة ، بالطبع سنجد كلابهم تعوى جراء ما شاهدوه وستجد بومهم ينعق جراء صدمة النجاح والتميز والتفرد ، بيد ان القصة تذكرنى بأحاديث الباكى فى ليالى العُرس.